أوراق إعلامية

أميركا تستحوذ على «باراغون»... درّة تاج "إسرائيل"

post-img

استحوذت شركة Red Lattice الأميركية على Paragon الإسرائيلية المتخصصة في التجسّس واختراق تطبيقات الدردشة مقابل 500 مليون دولار. تطور جديد يؤكد الدور المتنامي الذي ستلعبه التكنولوجيا في المشهد السياسي، في ما يتزايد قلق المنظّمات الحقوقية بشأن استخدام برامج التجسس بهدف القمع والاضطهاد والقتل مثلما شهدنا ونشهد في غزة

أسست شركة «باراغون» في العام 2019 على يد مجموعة من خرّيجي وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «8200»، درة تاج إسرائيل في مجالات الأمن السيبراني. من بين أبرز مؤسسي الشركة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، بالإضافة إلى القائد السابق لوحدة «8200»، إيهود شنورسن، الذي أدى دورًا محوريًا في تطوير الشركة. تركز «باراغون» على تطوير برامج تجسّس متقدمة يستخدمها عدد من هيئات الأمن والاستخبارات في «إسرائيل» وأوروبا والولايات المتحدة، بما في ذلك «إدارة مكافحة المخدرات» الأميركية (DEA) و«خدمة الهجرة والجمارك» الأميركية (ICE).

يعدّ «غرافيت» (Graphite) منتج الشركة الرئيسي، فهو برنامج تجسّس متقدم يُستخدم لاختراق تطبيقات مثل «واتساب»، و«سيغنال»، و«فايسبوك مسنجر»، و«بريد غوغل جي مايل»، ما يمنح عملاء الشركة قدرة على الوصول إلى رسائل وصور ومكالمات وأي بيانات أخرى على الأجهزة المستهدفة.

تسوّق الشركة هذا البرنامج بمنزلة أداة فعالة لـ «مكافحة الإرهاب والجريمة». ورغم محاولاتها تقديم نفسها على أنها تلتزم بالمعايير الأخلاقية، فإنّ هذه الادعاءات تبدو خادعة في ضوء الاستخدام الواسع لتكنولوجيا مثل «غرافيت» في سياقات قمعية، كأنه يمكن فصل هذه التكنولوجيا عن سياق استخدامها في ممارسات إسرائيل الوحشية ضد الفسلطينيين!

«غرافيت» ليس البرنامج الوحيد الذي يثير قلق المنظّمات الحقوقية؛ فقد سبقته برامج مماثلة طوّرتها شركات إسرائيلية أخرى مثل شركة NSO وبرنامجها الشهير «بيغاسوس»، الذي استخدم في حالات عدة ضد صحافيين ونشطاء سياسيين، بما في ذلك في دول غير ديموقراطية. ولا يُخفى على أحد أن هذه الشركات قد تورطت في تقديم تقنيات التجسس للحكومات التي استخدمتها ضد معارضيها، ما يجعل من المستحيل تصديق الادعاءات بأن هذه البرامج تُستخدم فقط لمكافحة الجريمة أو الإرهاب، وأي حديث عن «الالتزام الأخلاقي» يبدو بمنزلة محاولة لتلميع صورة صناعة تتزايد الانتقادات الدولية حولها. بيعت شركة «باراغون» إلى شركة Red Lattice الأميركية، المملوكة لمجموعة استثمارية أميركية هي AE Industrial Partners. بلغت قيمة الصفقة الأولية 500 مليون دولار، مع إمكانية وصولها إلى 900 مليون دولار بناءً على أداء الشركة في المستقبل.

تُمثل الصفقة تحولًا مهمًا في توجهات السوق، إذ أصبح عدد من الشركات الإسرائيلية، مثل «باراغون»، تجد في الانضمام إلى السوق الغربية طريقًا للنمو والانتشار، في ظل التحديات التي تواجهها في أسواقها الأصلية، بما في ذلك الضغوط الدولية والسياسات الحكومية المقيدة بعد تضرّر سمعة إسرائيل جراء مجازر قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في غزة.

الجدير ذكره أن هذه الصفقة حظيت بموافقة حكومتي «إسرائيل» والولايات المتحدة، وهو أمر ملفت نظرًا إلى التوترات السابقة بين البلدين بشأن مبيعات التكنولوجيا السيبرانية. في عام 2021، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة NSO بسبب استخدام برامجها في التجسّس على موظفين حكوميين أميركيين، بمن في ذلك موظّفون في وزارة الخارجية. كما وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن في العام الماضي أمرًا تنفيذيًا للحد من الاستخدام الضارّ لبرامج التجسّس. لكن مع «باراغون»، يبدو أن الموقف الأميركي قد يتغيّر، خصوصًا أنّ الشركة تعهدت بعدم بيع منتجاتها إلا للأنظمة الحكومية التي تتفق مع ما تسمّيه «معايير الديموقراطية المستنيرة».

بموجب صفقة الاستحواذ، ستستمر «باراغون» في تشغيل عملياتها من «إسرائيل»، وهو ما يتيح لها العمل بعيدًا من قوانين الولايات المتحدة، ما يعزّز من قدرتها على العمل بحرية أكبر. في هذا السياق، يُعتقد أن عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى إعادة تقييم سياسات الولايات المتحدة المتعلقة بشركات مثل «باراغون»، وقد يشهد التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا المجال مزيدًا من التوسع. كذلك، فإن نقل ملكية «باراغون» إلى شركة أميركية يأتي ضمن توجه متزايد بين الشركات الإسرائيلية للاندماج في الأسواق الغربية، مثلما حدث مع Cellebrite وCobwebs. وصحيح أن عمليات الاستحواذ هذه يروج لها بمنزلة نجاحات اقتصادية، إلا أنها تُظهر أيضًا اعتماد إسرائيل المتزايد على الولايات المتحدة ودول أخرى في الفلك الغربي للحفاظ على موقعها التقني.

رغم التجذر العميق لإسرائيل في الولايات المتحدة وعلاقاتها القوية في مجالات عدة، بما في ذلك التعاون العسكري والتقني، فإن الرأسمالية تجد دائمًا طرقًا لإعادة تهيئة الشركات الإسرائيلية وإعادة تسويقها بعد خسارة كيان الاحتلال سمعته عالميًا. هذا ما يحدث مع شركات مثل «باراغون» وNSO، التي تعمل في مجال الأمن السيبراني، فتُغلف منتجاتها بقيم «الأخلاقيات» و«الامتثال للمعايير الديموقراطية»، رغم ما تُستخدم فيه هذه التقنيات من انتهاكات لحقوق الإنسان. في وقت تتعرض فيه إسرائيل لضغوط دولية بسبب سياساتها القمعية في غزة والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، لا تتردد الرأسمالية في ترويج هذه الشركات على أنها كيانات متوافقة مع القيم الغربية وتفتح الأبواب أمامها للتوسع في أسواق جديدة. وتتيح هذه الطريقة للعالم الغربي وربما العالم العربي، التعامل مع الشركات الإسرائيلية رغم السياق السياسي والإنساني.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد