علي سرور/ جريدة الأخبار
سلطت وفاة الطفل إيلي سكاف جراء تحدّي One Bite على «تيك توك» الضوء مجدداً على مخاطر التطبيق على المراهقين. مع استخدام الخوارزميات كسلاح لجذب مزيد من الجمهور بأي ثمن، يشدّد الاختصاصيون على أهمية التوعية ودور الأهل
في وقت سابق من الشهر الحالي، خسر الطفل اللبناني إيلي سكاف (12 عاماً) حياته إثر اختناقه أثناء مشاركته في تحدّي «القضمة الواحدة» (One Bite) الذي عاد إلى الواجهة على «تيك توك» بعدما اكتسب شهرة واسعة عبر المنصة الصينية عام 2021. يتعيّن على المشاركين في هذا التحدّي تناول كمية كبيرة من الطعام بلقمة واحدة، ما حوّله إلى موضوع جدل عالمي واسع بعد وقوع حوادث مأساوية، بما في ذلك وفاة سكاف الذي اختنق أثناء محاولته أكل قطعة كاملة من الكرواسان في مدرسته.
صحيح أنّ الفاجعة أحدثت صدمة محلية، إلا أنّ تحديات «تيك توك» تحصد الأرواح منذ أعوام حول العالم، مستفيدةً من الرواج الهائل للتطبيق في مختلف بقاع الأرض. لكن لماذا تأسر التحديات الخطيرة المراهقين بسهولة؟
مسابقات مميتة
لم تبدأ التحديات الخطيرة مع الثورة التكنولوجية، فهي منتشرة منذ القدم وتحصد الأرواح بسبب رغبة المراهقين الفطرية في تحقيق القبول الاجتماعي بين أقرانهم. لكن فتح الحدود الجغرافية بين مراهقي العالم عبر تشاركهم التجارب زاد الحوادث المميتة جرّاء التحديات التي تستغلها السوشال ميديا كوسيلة لتوسيع شهرتها وإرضاء المستخدمين.
في السنوات الأخيرة، اقترن اسم «تيك توك» بتحديات ذائعة الصيت حصدت أرواح العشرات، غالبيتهم من الأطفال والمراهقين. على سبيل المثال، يعدّ «تحدي الإغماء» من أخطر التجارب الاجتماعية على «تيك توك»، إذ يقتضي حبس أنفاسهم حتى فقدان الوعي. ووفقاً لتقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» في عام 2022 أثناء رواج التحدي، رُصدت 20 وفية مرتبطة به، جلّها من الأطفال. ومن بين هؤلاء إيطالية في العاشرة من عمرها وُجدت ميتة بعد خنق نفسها بواسطة حبل أثناء محاولتها تنفيذ التحدي. علماً أنّ أرقام ضحايا «تحدي الإغماء» ليست شاملة بسبب غياب الإحصاءات الرسمية حول عدد حالات تلف الدماغ أو الإصابات الجسدية الشديدة المرتبطة به.
أضف إلى ذلك رواج سلوكيات متهوّرة عدة، مثل «تحدي البنادريل» القائم على تناول جرعات زائدة من هذا الدواء لإحداث الهلوسة، و«تحدي كسر الجمجمة»، وصولاً إلى «القضمة الواحدة» وغيرها.
ما سرّ كل هذه الجاذبية؟
في اتصال معنا، تكشف الاختصاصية في علم نفس الأطفال، لارا جلول، أنّ الصغار واليافعين ينجذبون بشكل طبيعي إلى التحديات على السوشال ميديا بسبب مجموعة من العوامل التطوّرية والنفسية والاجتماعية. ويختبر المراهقون تحديداً، حساسية زائدة تجاه تقبّل الأقران لهم ورغبة في الانتماء، وهما عنصران أساسيان في تكوين هويتهم. في المقابل، توفر التحديات الخطيرة إحساساً بالإثارة والمخاطرة والمكافأة، ما يجذب نزعتهم إلى البحث عن التشويق وضعف التحكم في الاندفاع. وتشير صاحبة صفحة Childs Mind على «إنستغرام» إلى أنّ تأثير التفاعل الاجتماعي الافتراضي، مثل اللايكات والتعليقات، يعزّز مشاركة هذه الفئة، فضلاً عن انعدام النضج الإدراكي الذي يمنعهم من تقييم العواقب الطويلة المدى لأفعالهم.
العواقب النفسية
توضح جلول أنّ الضغط الاجتماعي والمنافسة بين الأقران قد يزيدان كثيراً من المخاطر المرتبطة بالتحديات الخطيرة، ما يُشعر الأطفال والمراهقين بأنّهم مضطرون إلى المشاركة لتجنّب الإقصاء أو السخرية أو الظهور بمظهر «المملّ» أو «الضعيف». وتنبّه الاختصاصية الحاصلة على شهادة في حماية الطفل من «جامعة هارفارد»، إلى أنّ الرغبة في التفوّق على الآخرين أو الحصول على الاعتراف قد تؤدي إلى سلوكيات متهورة، فيما تضعف ــ مع الوقت ــ من تقدير الذات وتزيد من القلق، وتخلق شعوراً بعدم الكفاءة، وخصوصاً في حال الفشل في تلبية التوقعات المتصورة. وفي الحالات القصوى، قد يؤدي هذا الضغط النفسي إلى سلوكيات متهوّرة تعرّض الصحة الجسدية والنفسية للخطر.
من جهتها، تشدّد الاختصاصية في علم نفس الأطفال والمعالجة النفسية، عُلا خضر، على أنّه إلى جانب انجراف المراهقين تلقائياً للانتماء إلى مجموعة واللحاق بأقرانهم عبر الانخراط في التحديات الرائجة، يفتقد المراهق القدرة الدماغية على اتخاذ الخيارات الصحيحة، لأنّ الجزء المسؤول عنها في الدماغ لا يكتمل قبل بلوغ الـ 25 عاماً. وفي عيادتها، تستقبل خضر أطفالاً تأثروا بالتحديات والمقاطع التي شاهدوها على «تيك توك» وغيره من منصات التواصل، فـ «منهم من يواجه مشكلات في النوم، فيما ينعكس الأمر في حالات أخرى على الأداء المدرسي».
السلامة الرقمية
قبل الغوص في الشق التقني من المسألة، تجدر الإشارة إلى أنّ «تيك توك» يشترط على منشئي الحسابات أن يكونوا فوق الـ 13 عاماً، لكن في غياب أي إجراءات احترازية للتأكد من صحة المعلومات المقدّمة، يبقى الباب مشرعاً أمام هذه الشريحة العمرية غير الجاهزة للمحتوى الخطر التي يقدّمه التطبيق.
في هذا الإطار، تؤكد الخبيرة في الأمن السيبراني، تاله زين، أنّ المهمة صعبة على الأهل في مراقبة أطفالهم على منصات التواصل الاجتماعي، على رأسها «تيك توك»، بسبب «خبث» الخوارزميات التي توفّر التحديات الخطيرة للمستخدمين اليافعين قبل البالغين.
تلفت صاحبة صفحة Cybernest على «إنستغرام» إلى أنّ المشكلة لا تتعلّق بإمكانية تطوير الخوارزميات أو الذكاء الاصطناعي لحماية الأطفال، بل باستخدام وسائل التواصل لهذه الأدوات عن قصد لنشر التحديات بشكل أوسع. علماً أنّ منصات السوشال ميديا تطلب من المستخدمين رفع المسؤولية عنها، ما يُعفيها من الملاحقة.
عن التدابير التي قد تساعد الأهل، توضح الزين أنّ مراقبة الأطفال ضرورية، لكن بسبب «مكر» الخوارزميات وصعوبة حماية الصغار بشكل كامل، تصبح التوعية الخطوة الأساسية في سبيل تحصينهم من المخاطر التي يتعرّضون لها على «تيك توك» وأخواته.
كيف نواجه هذه الظواهر؟
تشدّد علا خضر على أنّ مسؤولية الأهل التوعوية تتركّز على التأكيد لصغارهم أنّ ما يرونه على السوشال الميديا يختلف تماماً عن الواقع، وتحديداً مقاطع الفيديو التي تشجّع على الترندات، مشيرة إلى أنّ مسؤولية الأهل تقتضي «منع الأطفال من الولوج إلى «تيك توك» قبل بلوغ العمر القانوني الذي يوصي به التطبيق نفسه».
من ناحيتها، تقول لارا جلول إنّه ينبغي للأهل تبنّي نهج منفتح ومتفهّم لبدء محادثات حول التحديات التي تعترض أبناءهم عبر اعتماد إستراتيجيات رئيسية، بدءاً من خلق بيئة آمنة لتشجيع الطفل على مشاركة تجاربه الافتراضية من دون الخوف من رد الفعل، ما يستوجب بقاء أولياء الأمور على اطلاع بالترندات والتحديات على «تيك توك» وغيره.
كما توصي جلول بإبقاء أسئلة الأهل مفتوحة لدفع الأطفال إلى التكلم عن تجاربهم. وعند مواجهة تحدٍّ خطير، «يتعيّن مساعدة الطفل على تقييمه بنفسه عبر مناقشة المخاطر المحتملة والنوايا من وراء التحديات». لكن إلى جانب الاستيعاب والتوعية، تلفت جلول إلى ضرورة تحديد إرشادات لاستخدام الأطفال للإنترنت عموماً.
اللافت أنّه رغم الكوارث المسجلة بفعل هذا النوع من تحديات كـ One Bite، لم تطرأ تغييرات جذرية في مقاربة حماية الأطفال والمراهقين. فهل يتخلّى «تيك توك» عن جزء من أرباحه المالية من أجل اتخاذ إجراءات عملية للتأكد من عمر المستخدم؟ وهل يستعمل خوارزميته لتعقّب الأطفال وحماية المراهقين من المحتوى الخطر، بدلاً من استخدامها لجذب عدد أكبر منهم؟
في انتظار الإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما، تتركّز أولويات شركات التكنولوجيا الكبرى، ومنها «تيك توك»، على تسخير طاقاتها لخدمة مصالحها الحالية المرتبطة بالتسابق على الريادة العالمية في عالم التكنولوجيا. وفيما ترخي هذه التحديات الخطيرة بظلالها على الأطفال الذين يُنظر إليهم كأرقام تزيد الأرباح، هل يستطيع الأهل وحدهم خوض معركة حماية أولادهم في مواجهة الخوارزميات «الخبيثة»؟