أوراق سياسية

عن محاولات "إقناع" جمهور المقاومة بـ"الهزيمة"

post-img

علي حيدر ـ الأخبار

إصرار خصوم المقاومة وأعدائها في الداخل على محاولة "إقناع" جمهورها بالهزيمة، لا ينبع من نكد سياسي، وإن كان في جانب منه كذلك، ولا ينطلق من اختلاف موضوعي في تقدير الواقع، بل هو نتاج رؤية سُخّر لها إعلاميون وسياسيون بهدف فرض مفهوم الهزيمة على العقل الجمعي، بغضّ النظر عن الواقع المركَّب (تضحيات كبيرة جدًا وإنجازات). وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فعلى الأقل زرع الشك لدى جزء من الجمهور، أو محاولة زعزعة ثقته بالخيارات والنتائج وجعله في موقع الدفاع... لأن تحقيق الهزيمة الفعلية مرهون بنجاح زرعها في وعي بنية المقاومة وجمهورها. وفي حال تحقق ذلك، تترتب عليه بالضرورة تداعيات نفسية وسياسية وسلوكية تتناسب مع هذه القناعة. بعبارة أخرى، زرع هذا المفهوم يساهم في تحويل المتغيرات التي أنتجتها الحرب إلى هزيمة فعلية.

أهمية هذه الأهداف، بالنسبة إلى أعداء المقاومة، أنها تدفع قاعدة المقاومة وبنيتها إلى الانطلاق في سلوكها ومواقفها ونظرتها إلى نفسها وإلى الآخرين من قناعة أنها مهزومة ومسحوقة... والتسليم بما ينجم عن ذلك من تداعيات. وسبق أن شهدنا مثل هذه الحملات في محطات عدة، لكنّها كانت إلى حدّ كبير تهدف إلى احتواء مفاعيل انتصارات إستراتيجية غيَّرت مجرى الصراع مع العدو، وأنتجت معادلات أسّست لواقع جديد. في ما هي الآن، أكثر من أي وقت مضى، جزء من إستراتيجية الحرب التي تهدف إلى تحقيق الهزيمة بعدما فشل العدوّ في تحقيق أهدافه الإستراتيجية.

لا أحد يتجاهل حقيقة أن العدوّ وجّه ضربة قاسية ومفاجئة لحزب الله، ولا أحد ينكر النتائج العسكرية والسياسية التي ترتّبت أو يمكن أن تترتّب عليها. وفي السياق نفسه، لا أحد يغفل عن تبدّل خريطة التحالفات والمواقف في الساحة الداخلية اللبنانية. فكلها عوامل مؤثرة في إنتاج الواقع السياسي في لبنان. لكن ما يتم تجاهله هو دور التحول السوري - الأهم من بين العوامل - في بلورة هذا الواقع ورسم مساراته المستقبلية.

الحقيقة الأهمّ الموازية لما تقدّم أن هناك مسافة بين الوقائع التي فرضتها المتغيّرات وبين الهزيمة، وأن هناك فارقًا كبيرًا بين النجاح في فرض الوقائع وبين مفاعيلها التي قد تختلف من طرف إلى آخر. فالعدو بتفوقه العسكري والتكنولوجي، والدعم الدولي الذي يحظى به، وبتحالفاته الإقليمية والدولية، قادر على فرض كثير من الوقائع، لكن مفاعيلها مرتبطة بتفاعل الطرف المقابل معها. لذلك، يمكن لنفس هذه العوامل أو أقلّ منها أن تؤدي إلى هزيمة أطراف ولا تؤدي إلى هزيمة آخرين. والتحدي الجوهري يكمن في الإجابة عن مجموعة من الأسئلة: هل أدَّت هذه العوامل إلى تراجع المقاومة عن ثوابتها؟ وهل فقدت القدرة على الدفاع عن وجودها وحضورها؟ وهل نجحت الحرب في شطبها من المعادلة السياسية والشعبية؟ وهل فقدت القدرة على الدفاع عن لبنان في مواجهة الخطر الإسرائيلي؟

في الواقع، نجح حزب الله في الصمود في مواجهة حرب تدميرية هائلة وغير مسبوقة، وفي منع العدوّ ومعه الولايات المتحدة، من تحقيق أهدافهما الإستراتيجية في الساحة اللبنانية، حتّى الآن، وإن حققتا إنجازات عسكرية مهمة. كما نجح في صدّ الغزو البري "الإسرائيلي" وحال دون احتلال واسع للجنوب اللبناني. وفرض معادلة ردّ تصاعدي أدّى في ما أدى إليه إلى شل الحياة وسلب الشعور بالأمن الشخصي والجماعي في شمال الكيان ووسطه وتل أبيب. وخصوصية هذا المعطى - المتغير أنه عَكَسَ من منظور "إسرائيلي" - أميركي أن حزب الله نجح بالبدء في مسار تعافٍ عملياتي تصاعدي. كلّ ذلك ساهم في بلورة الأرضية للقبول بصيغة اتفاق لوقف النار دون الأهداف الطموحة للحرب.

في الخلاصة، لا تزال الحرب ضدّ المقاومة وشعبها مستمرة بأدوات أخرى نتيجة قصور الحرب العسكرية عن تحقيق ما كان يؤمل منها أميركيًا وإسرائيليًا وبعض الداخل اللبناني، بغضّ النظر عن كون صوته الإعلامي أكبر بكثير من حجمه الفعلي. وليس الإصرار على "هزيمة" المقاومة إلا مفردة في إستراتيجية أوسع، تهدف إلى التعويض عن فشل الحرب العسكرية.

في المقابل، يشكّل تمسك أهل المقاومة بها الردّ الأنجع على هذه الخطة. وعاجلًا أم آجلًا، سينجلي الغبار الذي بدأ مع الحراك الشعبي باتّجاه القرى والبلدات التي كانت لا تزال محتلة أو ممنوعة على سكانها. وبالتأكيد سنشهد محطات لاحقة تبدّد هذه الفقاعات، وتكشف حقيقة أن المقاومة لا تزال تتمتع بحضور شعبي وسياسي فعال. وينبغي عدم استبعاد حصول محطات تكشف أيضًا عن حجم الحضور الفعال للمقاومة في المعادلات، خصوصًا أننا في ساحة وبيئة تتميّزان بالمتغيّرات المتسارعة التي قد تكشف عن فرص وتهديدات، وتؤدي إلى تحوّلات تنطوي على عناصر قوة لا تخطر على بال عدوّ أو صديق.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد