جدريدة الأخبار
عادت بحيرة القرعون إلى الواجهة من جديد، بعدما تداولت وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوّراً يُظهر تدنّي نسبة المياه فيها، مرفقاً بعبارات تدقّ ناقوس الخطر، وكأنّ البحيرة باتت على أبواب التصحّر.
ورغم حقيقة انخفاض منسوب المياه فيها وما يرافقه من انعكاسات سلبية نتيجة تدنّي نسبة الأمطار هذا العام، التي لم تبلغ معدلاتها الموسمية بعد. غير أن المشهد «ليس كارثياً» إلى الحدّ الذي يتمّ تصويره، وخصوصاً مع توقعات بحصول بعض الانفراجات التي قد تُعيد المياه إلى مجاريها.
وفي هذا الصدد، يوضح المدير العام لـ«المصلحة الوطنية لنهر الليطاني»، سامي علوية، لموقع «الأخبار» أن «هذه الظاهرة ليست جديدة، بل تكررت في أربع سنوات سابقاً، كان آخرها السنة المائية 2018 - 2019، حينما بلغت كميات المياه الوافدة إلى البحيرة مع نهايتها 77 مليون متر مكعب فقط، وهي النسبة الأسوأ، مقارنةً بالسنوات العجاف الثلاث 1989 - 1990، 1990 - 1991 و2008 - 2009».
أما بالنسبة إلى السنة المائية الحالية، وهي «تصنّف جافة»، فقد «بلغت كميات المياه الوافدة إلى البحيرة منذ أيلول الفائت إلى كانون الثاني الفائت 23 مليون متر مكعب فقط. إلّا أن من المتوقع أن تتحسن هذه الأرقام في النصف الثاني من السنة المائية (من شباط إلى أيلول) لتبلغ حوالي 120 مليون متر مكعب»، بحسب علوية.
وبالتالي، ورغم الانخفاض الملحوظ في المنسوب المتوقّع من معدل 320 مليون متر مكعب خلال السنوات الفائتة إلى 120 مليون متر مكعب هذا العام، غير أن الوضع لا يزال ضمن المألوف مقارنةً بالسنوات العجاف الأربع، وتحديداً سنة 2018 - 2019.
«سنة صعبة»
مع كل هذه التطمينات، تبقى المشكلة الكبرى تأثّر إنتاج الكهرباء في المعامل الكهرومائية، التي قد تنخفض تدريجياً إلى أقلّ من النصف، ما سينعكس حتماً على واردات المصلحة المادية، وعلى ساعات التغذية التي تُؤمنّها.
هنا، يكشف علوية أن «إنتاج معامل الليطاني الكهرومائية المتوقّع لهذا العام هو حوالي 250 مليون كيلوواط ساعة، في حين أن المعدل السنوي كان يبلغ 520 مليون كيلوواط ساعة، ما سيرتّب خسارة بحوالي 7.5 ملايين دولار أميركي على واردات (مصلحة الليطاني)».
كذلك يشير المدير العام إلى أن الخسارة الكبرى ستتكبّدها «مؤسسة كهرباء لبنان»، التي «كانت تستمد الطاقة الكهربائية من معامل الليطاني بسعر 3 سنتات، وسيتعيّن عليها الآن شراء الفيول لتشغيل معامل إنتاج الطاقة الموازية بتكلفة تزيد على 13 سنتاً لكل كيلوواط ساعة، لتفوق خسارتها الـ 27 مليون دولار».
أمام هذه الوقائع، «سيفرض التقنين الكهربائي نفسه» على كامل الأراضي اللبنانية، كما يوضح علوية. غير أن القرى التي ستستشعر بقسوة التقنين هي تلك التي تستفيد مباشرة وحصراً من معامل المصلحة، والتي تحتاج إلى 450 مليون كيلوواط ساعة لتأمين تغذية كهربائية لـ 18 ساعة في اليوم (وهو الوضع الطبيعي في هذه القرى)، في حين أن الإنتاج المتوقّع لهذا العام «هو 250 مليون كيلوواط ساعة فقط».
التقنين أزمة تضاف إلى «كومة أزمات»
ومثل كل فترة من هذا العام، بدأت القرى الـ 112 (في البقاع الغربي وإقليم الخروب والجنوب) التي تستفيد مباشرة من الكهرباء المُولّدة من معامل عبد العال وجون والأوّلي الكهرومائية، تخضع لـ«برنامج تقنين بمعدل ساعتين قطع مقابل أربع ساعات تغذية»، بحسب ما أفاد رئيس «اتحاد بلديات البحيرة» يحيى ضاهر موقع «الأخبار».
ورغم أن الأزمة لا تزال في بداياتها، غير أن الأمر «سيترك آثاراً سلبية على مختلف جوانب الحياة في هذه القرى والبلدات غير المجهّزة بأغلبيّتها بمولدات كهربائية، كما هي الحال في بيروت وضواحيها مثلاً، ما سيترك السكّان من دون أيّ بديل».
لذا، ستشكّل هذه الأزمة إن استمرت، «ضربةً قاضيةً» لأصحاب المصالح والمعامل في المنطقة. وفي هذا السياق، يقول ضاهر ممازحاً: «إذا شغّلوا الكهربا مصيبة، وإن ما شغلوها مصيبة»، مشيراً إلى أن تسعيرة الكهرباء الجديدة (26 سنتاً للساعة) التي فُرضت على المعامل، «أجبرت العديد منهم على الإغلاق بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكلفة فواتير الكهرباء المرتفعة».
والآن أمام العجز في الكهرباء وعدم قدرة الكثير منهم على تحمل تكلفة المولدات الخاصة، قد يحذو القسم المتبقي حذوَ من سبقه في الإغلاق، ما سيخلق مشكلة جديدة في المنطقة بدءاً من تسريح عددٍ من العمال، وصولاً إلى حدّ إتلاف المحصول الزراعي الغنيّ في المنطقة، الذي يُحفظ في البرادات المُهددة بالإغلاق.
أما عن الحلول المؤقّتة أو المستدامة، يقول ضاهر بصراحة إنه «لا قدرة للاتحاد ولا حتّى البلديات على تقديم أيّ حل أو بديل، وخصوصاً أن الموازنات لا تزال تأتيها وفق تسعيرة الـ 1500 ليرة، وهي تكاد لا تكفي لصرف رواتب الموظفين». غير أنه يشير إلى أن السكان بدأوا منذ أشهر باللجوء إلى تركيب الطاقة الشمسية «منه لتخفيف مصروف الكهرباء، ومنه لتعويض نقص التغذية».
لا جفاف في البحيرة... بل «تلوّث خطير»
وبالنسبة إلى بحيرة القرعون، أكد ضاهر أيضاً المشاهد المتداولة من البحيرة «طبيعية ومتوقّعة» نظراً إلى كمّيات هطول الأمطار، موضحاً أن «انخفاض المنسوب فيها يدفع الترسّبات في قعرها، وهي ترسّبات مُلوّثة في أغلبها، إلى أن تطفو على سطحها، في حين أن الأمطار على العكس تخفّف من نسبة التلوث».
ومن هذا المنطلق، كرّر ضاهر مناشدة المعنيّين في الدولة تحمّل مسؤولياتهم في معالجة التلوث في البحيرة، و«مصدره في الغالب مجاري الصرف الصحي التي تأتي عبر نهر الليطاني من قرى البقاع الأوسط، إضافة إلى تصريفات المعامل»، وإلّا سيكون «التلوّث مصدر التهديد الأخطر للبحيرة والقرى المحيطة بها، وليس الجفاف».