أوراق ثقافية

«تيك توك» والكتب... Don’t mix؟

post-img

رضا صوايا/ جريدة الأخبار

ما هي أكثر الكتب رواجًا وتداولًا على تطبيق «تيك توك»؟ لا بدّ من أن في الجملة خطأ ما! كُتب و«تيك توك» في الجملة نفسها؟ في الواقع، أصبح التطبيق قوةً مهيمنةً ومؤثرة في مجال الكتب والقراءة، وخلق ثورة شاملة في قطاع النشر، أعادت تشكيله وفرضت عليه التكيّف مع المعطيات الجديدة ومواكبة الموجة. ومعطى دفع عددًا من النقّاد إلى الحديث عن «دمقرطة» هذا القطاع، حيث بات مستخدمو «تيك توك» وبعض أبرز الحسابات شعبيةً فيه، لاعبين محوريين في هذا المجال، وقادرين في لمح البصر على نفض الغبار عن الكتب المنسيّة أو الهامشيّة وجعلها من الأكثر مبيعًا حول العالم، ومنح كتّابها شهرةً لم تكن في الحسبان.

ثورة أطلقتها في العام 2020 من غير قصد مراهقة تبلغ 16 عامًا تُدعى كايت ويلسون التي نشرت فيديو يتضمّن سلسلة اقتباسات من الكتب التي قرأتها. لم تكن الجمل المنشورة معروفة وشائعة كتلك المنتشرة في العالم الافتراضي، بل مجرد تعبيرات بسيطة عن الحب، مستلّة من الكتب التي شاركتها. وفجأة حصل ما هو غير متوقع: إذ تخطى عدد مشاهدات الفيديو المليون بسرعة قياسية ولاقى تفاعلًا هائلًا. وتدحرجت كرة الثلج.

الكلمة المفتاح التي بدلت الموازين وأطلقت هذه الثورة الجارفة هي هاشتاغ #Booktok، التي تحوّلت إلى مجتمع قائم بذاته ضمن تطبيق «تيك توك»، حيث يقوم المستخدمون بمشاركة مقاطع فيديو قصيرة وجذابة حول كتبهم المفضلة، تتضمّن ردود فعل عاطفية، ومشاهد بصرية جذابة، وتوصيات حماسية. وحتى أواخر العام الماضي، فاق عدد مشاهدات الفيديوهات التي تتضمّن هذا الهاشتاغ على «تيك توك» مئتي مليار مشاهدة، مع أكثر من أربعين مليون فيديو.

ما حدث ضرب قطاع النشر كالصاعقة، إذ لم يكن أحد مستعدًا لتبعاته، خصوصًا أنّ مجتمعات القرّاء موجودة منذ زمن على مواقع وتطبيقات عدة، حيث يمكن للقرّاء متابعة الأصدقاء والمؤلفين والحصول على توصيات الكتب وقراءة المراجعات، ومن أبرزها موقع «غودريدز» ومجتمعات «بوكتيوب» على منصّة «يوتيوب» ومجتمع «بوكستغرام» على منصّة «إنستغرام».

لكنّ أيًا منها لم يخلق تأثير الدومينو الذي أوجده هاشتاغ «بوكتوك». على سبيل المثال، أصبح كتاب «عاصفة الجزع» (Onyx Storm) الصادر قبل أسبوعين فقط، للكاتبة ريبيكا ياروس أحدث صيحات «بوكتوك»، وأسرع رواية للبالغين مبيعًا في الولايات المتحدة منذ عشرين عامًا، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». كذلك، لاقى كتاب «أغنية أخيل» (The Song of Achilles ــــ 2012) لمادلين ميلر والذي نُشرت منه 20000 نسخة كطبعة أولية، شهرةً خيالية حتى بلغ عدد مبيعاته عام 2022 أكثر من مليونين، والفضل يعود إلى حد كبير إلى «تيك توك».

نجح تفاعل المستخدمين أيضًا في إعادة إحياء كتب من غياهب النسيان، ككتاب «أنا التي لم أعرف الرجال قط» (I Who Have Never Known Men) لجاكلين هاربمان، المنشور عام 1995، الذي يروي قصة فتاة نشأت في الأسر مع 39 امرأة أخرى في قفص تحت الأرض، حيث تتم مراقبتهن باستمرار من قبل مجموعة من الحراس الذكور. كان الكتاب شبه منسي، ومن غير المبالغ القول إن عدد مبيعاته في السنوات الماضية لم يكن يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة في السنة. وحالما أصبح متداولًا عبر «بوكتوك»، نفدت نسخه بالكامل من رفوف المكتبات في الولايات المتحدة.

في المملكة المتحدة، أصبح أحد أكثر الكتب مبيعًا وتوصيةً للقراءة من عدد من المواقع المتخصصة في إطلاع القرّاء على أبرز الكتب. ووفقًا لموقع «بوكسكان»، زادت مبيعات الكتب المطبوعة في الولايات المتحدة عام 2021 بنسبة 9% مقارنةً بالعام السابق، لتصل إلى 825 مليون كتاب، وهو الرقم الأعلى المسجل منذ العام 2004.

تحليل هذه الظاهرة ليس سهلًا، ويصعب حصرها بسبب واحد. إلّا أن متابعة آراء عدد من الخبراء والنقاد والكتّاب بيّنت أن أحد أبرز أسباب نجاح «بوكتوك» يعود إلى الدور الكبير الذي تلعبه ردود الفعل العاطفية. كيف ذلك؟ يتميّز عدد من الفيديوهات المنشورة بردود أفعال مليئة بالدموع والمشاعر بعد الانتهاء من كتاب مؤثر، ما يخلق استجابة عاطفية لدى باقي المشاهدين الذي يتأثرون بالمحتوى، فيشترون الكتاب وينشرون بدورهم تفاعلاتهم العاطفية بعد قراءته. محتوى الفيديو يكون إذًا متمحورًا حول التفاعل العاطفي الذي خلقه الكتاب من دون الغوص في المحتوى أو الحبكة أو أسلوب الكاتب.

تؤدي أيضًا التحديات دورًا بارزًا في رواج بعض الكتب، مثل «اقرأ خمسة كتب جعلتني أبكي» أو «كتب تتضمن تحولات كبيرة في الحبكة»، ما يشجع المشاهدين على اختيار عناوين معينة ومشاركة أفكارهم. ويحوّل هذا النهج، قراءة الكتب إلى تجربة اجتماعية تفاعلية، ويشجع القرّاء على المشاركة. كذلك، يؤدي التفاعل بين المستخدمين إلى خلق إحساس بوجود مجتمع مترابط يتشارك الاهتمامات ذاتها، عبر الاستجابة للتعليقات، ومشاركة التوصيات بناءً على تفضيلات متابعيهم، أو استضافة بث مباشر للحديث عن الكتب في الوقت الفعلي، ما يجعل مناقشات الكتب أكثر جاذبيةً من مراجعة الكتب التقليدية.

الدور المتصاعد والمؤثر لـ«بوكتوك» دفع بدور النشر والكتّاب إلى إعادة تشكيل دورهم وعملهم للتأقلم مع المعطى الجديد، مع تراجع تأثيرهم في التسويق للكتب، فالكثير من الكتب الرائجة خلال السنوات الماضية اكتسبت شهرتها من دون أي دور لهم. في هذا السياق، وقّع عدد من دور النشر العالمية شراكات مدفوعة مع أبرز الحسابات وأكثرها شعبية للترويج للكتب.

في الوقت عينه، خصصت المكتبات رفوفًا معيّنة للكتب الأكثر رواجًا على «بوكتوك». وفي هذا الإطار، كشف موقع «أكسيوس» قبل أيام، أن أكبر بائع تجزئة للكتب في الولايات المتحدة، سلسلة متاجر «بارنز آند نوبل»، يُخطط لافتتاح 60 فرعًا جديدًا خلال العام الجاري، بعدما افتتح 57 فرعًا العام الماضي، بسبب الإقبال الكبير على شراء الكتب، خصوصًا من جيل الشباب، وهذا الأمر ناتج جزئيًا من تأثير «بوكتوك». علمًا أن المتجر الشهير كان قد قرر افتتاح ثلاثة متاجر فقط عام 2020!

الكتّاب بدورهم كثّفوا نشاطهم على التطبيق، حيث يستخدمون خاصية التواصل المباشر للتفاعل مع القرّاء، والتحدث معهم حول الكتابة، ونقاش كتبهم، وتشويقهم وإطلاعهم على لمحات من مشاريعهم المستقبلية، وهو أمر مهم كونه يكسر الكثير من الحواجز ويجعل التواصل بين القرّاء والكاتب أكثر حميميةً ويخلق بالتالي شعورًا بالولاء.

يهتم «بوكتوك» ببعض أنواع الكتب أكثر من غيرها وهو مرتبط بعمر المستخدمين الشباب والمواضيع التي تستهويهم، ومن أكثرها انتشارًا كتب الرومانسية والخيال العلمي وأدب الشباب والفانتازيا. وإذا كان «بوكتوك» قد منح الجمهور سلطة كبيرة لم يعد في إمكان دور النشر ولا الكتّاب تجاهلها، إلا أنه يطرح أيضًا عددًا من المخاطر. إذ يُشير بعض النقاد إلى أنه يؤدي إلى تركيز الاهتمام على الكتب «الرائجة» بشكل أكبر مع تحولها إلى الكتب الأكثر مبيعًا، ما ينعكس سلبًا على باقي الكتب التي قد يتم تجاهلها بالكامل ولو كانت أكثر قيمة أدبيًا وفكريًا.

الأمر عينه ينطبق على الأنواع الأدبية، إذ تستفيد تلك التي تلقى رواجًا على التطبيق أكثر من غيرها. كذلك يشكو النقاد من المراجعات على التطبيق التي وكما أشرنا تركز على الجانب العاطفي من دون الغوص في المحتوى وتحليله. وطالت المخاوف أيضًا دور الكتّاب المستقبلي، الذين قد يتحولون إلى علامات تجاريّة ويصبح اسمهم مولدًا أساسيًا لبيع الكتب وشهرتها على حساب النص والمضمون.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد