تحتضن المنازل اللبنانية في مكتباتها وأدراجها آلاف المواد الأرشيفية التي قد لا يوليها أحد اهتمامًا، لكنها في الواقع ترسم الملامح السياسية والثقافية والإعلامية والإعلانية للمقاومة في لبنان، وتوثّق تفاعل الناس مع الأحداث المفصلية في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني.
قبل ثلاث سنوات، انطلقت مبادرة «وثاقية»، المهتمة بجمع أرشيف مجتمع المقاومة. وقد حفّزت المبادرة وعي العائلات في جنوب لبنان بأهمية الوثائق المحفوظة في منازلها، وأبدت اهتمامها بجمعها وتسجيلها كرصيد باسم العائلة المقدّمة لها. وبعدما جمعت المبادرة نحو ألفي و750 وثيقة تعود إلى 95 عائلة، قررت أخيرًا عرضها في متحف دائم يُفتتح غدًا في بلدة حاروف (جنوب لبنان) تحت عنوان «كل وثيقة حكاية».
يقدّم هذا المتحف تجربة معرفية بصرية، ترتكز على المجموعات الأرشيفية الشخصية للعائلات المقاومة. وتتقاطع هذه الأرشيفات مع إنفوغراف معروض في المتحف، ليرويا معًا قصة الاحتلال الصهيوني للبنان منذ عام 1948، وصولًا إلى تشكيل الشريط الحدودي (الحزام الأمني) عام 1985. كما تسلّط الوثائق الضوء على أهمية الأرشيف في بناء السردية الجماعية، بوصفه دليلًا ملموسًا على ممارسات الاحتلال المتكررة عبر الزمن، وعلى ولادة المقاومات المتعددة كحالة نضالية مستمرة.
يبرز عرض هذه الوثائق أهمية الأرشيف العفوي المتراكم في منازل العائلات اللبنانية، وكيف يمكن أن يشكّل نواةً للأرشيف الجماعي لمجتمع المقاومة. كما يعزز المتحف الثقة بين العائلات والمبادرة، ما يشجّع على تقديم المزيد من الوثائق التي يُخطَّط لاحقًا لإتاحتها على منصة إلكترونية، لتمكين الباحثين والمهتمين، وكذلك الرواة وكتّاب السيناريو، من استلهام قصص المقاومة وتوثيقها. ويؤكّد عرض الأرشيف للعائلات التي عانت ويلات الاحتلال الصهيوني على أنّها جزء لا يتجزأ من مسيرة المقاومة المستمرة.
أماني رمّال التي أطلقت مبادرة «وثاقية» قبل ثلاث سنوات، تؤكّد أن المشروع بدأ بمجهود فردي، من دون أي تمويل أو دعم من أي جهة. ومع استمرار العمل على جمع المزيد من الوثائق، تتحدث رمّال عن المشاريع الجديدة التي تعمل عليها المبادرة بالتعاون مع متطوعين، في أعقاب الحرب الصهيونية الأخيرة على لبنان. تتضمّن هذه المشاريع، مبادرة «حكاية وثيقة»، التي تهتم بجمع وثائق من المنازل التي نجت من الاعتداء الصهيوني. مشروع «ما بقي الزيتون»، يهتم بجمع الأرشيفات من العائلات التي صمدت في قراها ومدنها.
«قربان» يجمع قصص المنازل المدمرة. «منازل بروح واحدة» يجمع قصص المسعفين والطواقم الطبية الذين صمدوا في القرى المستهدفة وغيرها من المشاريع التي لن تعتمد فقط على تجميع الوثائق بشكلها التقليدي، بل على الأرشيفات الشفوية أيضًا.
تؤكد رمّال أهمية توثيق أرشيف مجتمع المقاومة، مشيرة إلى أنّ «منطقتنا تسلّط الضوء أكثر على الحرب الأهلية، بقصد أو من دونه، فيما تُهمل إلى حدّ كبير الحرب الصهيونية التي نعاني من ويلاتها منذ أكثر من نصف قرن. هذا المتحف، والأرشيف الذي يحتويه، يتيح للأجيال الجديدة فرصة التعرف إلى تاريخ العدوان الصهيوني على لبنان، ويفتح أعينهم على حقيقة أن الحربين، الصهيونية والأهلية، هما خطان متوازيان، لا سيما أن الجيل الجديد، الذي لم يعايش الاعتداءات الصهيونية، لم يتلقَّ أي تعليم أكاديمي حولها».
* متحف «وثاقية»: غدًا – الساعة الثانية ظهرًا – سنتر «بهجة» (حاروف – جنوب لبنان). للاستعلام: 70/637068