غسان ريفي (سفير الشمال)
حالة من الارتباك تسيطر على لبنان الرسمي بمؤسساته الدستورية، فالعدو "الإسرائيلي" لم ينسحب بشكل كامل من القرى والبلدات الحدودية ويحتل نقاطا إستراتيجية، ويرتكب الجرائم والاغتيالات ويتعرض للجيش اللبناني وللأهالي، ومسيّراته تغزو الأجواء، وذلك في انتهاك واضح للقرار ١٧٠١ ولاتفاق وقف إطلاق النار، ما يعني أن القرارات الدولية، والاتّصالات الدبلوماسية المستمرة منذ ما يقارب ٨٥ يومًا لم تنجحا في حماية البلاد والعباد، خصوصًا أن لجنة المراقبة الدولية تغط في سبات عميق ولا تحرك ساكنا حيال ما يجري.
في المقابل، فإن الولايات المتحدة الأميركية تقف بقوة إلى جانب "إسرائيل" وتدعم توجهاتها العدوانية ولا تقيم وزنا للبنان فتفرض عليه تنفيذ القرار ١٧٠١ والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وتطالب بسحب سلاح المقاومة وتعمل على إحراج العهد بحكومته الجديدة التي وبناء على الرغبة الأميركية وتوجهات بعض التيارات السياسية أسقطت “حق المقاومة في الدفاع عن الأرض” من البيان الوزاري الذي يفترض أن تأخذ على أساسة الثقة في مجلس النواب يوميّ ٢٥ و٢٦ شباط الجاري.
كلما أمعنت "إسرائيل" في خروقاتها واعتداءاتها كلما وجدت الحكومة نفسها محاصرة في جلسة الثقة خصوصًا أن كثيرًا من الكتل النيابية والنواب المستقلين يرفضون ما آلت إليه الأمور، ما يشير إلى أن منبر مجلس النواب سيكون شاهدا على إنقسام لبناني عمودي بين من يتمسك بالسيادة الحقيقية التي تشدد على تحرير الأرض اللبنانية وعلى الانسحاب الكامل للعدو وبين من يدعي هذه السيادة ويبرر للعدو "الإسرائيلي" انتهاكاته ويسعى إلى إنهاء المقاومة.
هذا الواقع، يؤكد أن كلّ المواقف والتصريحات التي تصدر في ظل الاحتلال "الإسرائيلي" واعتداءاته هي فارغة من مضمونها ولا تسمن ولا تغني من أمن واستقرار وتحرير.
وترى مصادر مواكبة أن البيان الصادر عن الرؤساء الثلاثة خلال اجتماعهم في بعبدا يوم أمس الأول شكل خطوة متقدمة، حيث لا يمكن لأي كان أن يتغاضى عما يقوم به العدو، لذلك فقد أكد على “حق لبنان بتحرير أرضه بكلّ الوسائل”، ما يعني إعطاء الحق للدولة اللبنانية والجيش والشعب الذي تنبثق منه المقاومة بالقيام بكلّ ما يلزم لبلوغ هذا الهدف.
في غضون ذلك، يبذل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون جهودًا مضنية لحفظ ماء وجه العهد، وهو أجرى اتصالًا أمس مع مستشار الأمن القومي الأميركي، مشدّدًا على ضرورة الانسحاب "الإسرائيلي" الكامل وبأسرع وقت ووقف الاعتداءات، كما أثار معه قضية الأسرى اللبنانيين في سجون العدو، خصوصًا أن الرئيس عون سبق وأبلغ الأميركيين بوجوب انسحاب "إسرائيل" ليتمكّن لبنان من وضع سلاح المقاومة على طاولة البحث من خلال الحوار الوطني لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية.
تشير المصادر إلى أن ما يشهده لبنان اليوم، يدحض كلّ المزاعم الأميركية حول دعم لبنان وتأمين استقراره والنهوض به، خصوصًا أن ذلك لا يمكن أن يحصل في ظل الاحتلال واستمرار الانتهاكات والاعتداءات، ما يؤكد أن أميركا مع اللجنة الخماسية والمجتمع الدولي لا يتعاطون بواقعية مع الأزمة اللبنانية وهم غير جديين في العمل على حلها، خصوصًا أن العهد الذي جاء بدعم دولي وعربي كان يستدعي الضغط على "إسرائيل" للخروج من لبنان مع انتهاء مهلة الستين يومًا والالتزام الكامل بوقف إطلاق النار والخروقات ليستفيد هذا العهد من الوهج الذي جاء به في العمل على بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحصر السلاح بجيشها وقواها الأمنية، لكن بقاء الاحتلال سوف يدفع المقاومة سواء كانت مركزية أو محلية ضمن نطاق البلدات المحتلة أن تقوم بواجبها الشرعي في مواجهة جيش العدو.