أوراق سياسية

خصوم المقاومة.. صدمة وتناقض!..

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)

 ما إن إنتهت مراسم تشييع الأمينين العامين لحزب الله السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين والتي شهدت حشدا جماهيريا غير مسبوق حمل دلالات عاطفية وتنظيمية، وأبعادا سياسية يُفترض أن تعكس موازين القوى داخل لبنان وخارجه، حتى سارع خصوم المقاومة الى الدخول في تحليل أرقام المشاركين، وضرب أخماس الأمتار بأسداسها وإحصاء الكراسي في مدرجات المدينة الرياضية ومستطيلها الأخضر، وذللك من أجل التقليل من حجم المشاركة.

كما عمد بعض هؤلاء الى مقارنة صور التشييع الكبير مع صور من مناسبات مختلفة: تظاهرات، ثورات، تشييع ومهرجانات إنتخابية وما الى ذلك، ليقنع نفسه أولا ومن ثم متابعيه بأن ما شهدته مدينة كميل شمعون لم يكن إستثنائيا ولم يخرج عن المألوف، ولم يعبر عن قدرات هائلة لا يمكن لأحد أن يمتلكها وإن إمتلكها لا يستطيع التصرف بها أو ضبط ما يمكن أن ينتج منها.

أما البعض الآخر فسارع الى شاشات التلفزة والمنصات الاعلامية ليقدم معادلات سياسية وشعبية “لا تركب على قوس قزح” وذلك ضمن محاولات يائسة للتخفيف من هول الصدمة التي تعرض لها البعض ممن دأبوا منذ إنتهاء الحرب على إطلاق العنان لتخيلاتهم وأحلامهم تارة في إنتهاء الحزب وتسليمه لسلاحه، وتارة أخرى في إنفكاك بيئته عنه وإنقلابها عليه، وطورا بتخييره بين الدخول تحت سقف الدولة أو مغادرة لبنان مع شعبه اللبناني الى الدول التي توفر لهم الدعم والرعاية.

كل هذه الأمنيات أسقطتها مراسم التشييع في ساعات قليلة، ووضعت خصوم المقاومة بين فئة مصدومة بلعت ألسنتها ولاذت بالصمت وعادت لتفكر في كيفية التعاطي مع التطورات من منطق وطني، وفئة خرجت عن طورها وأخذت تطلق المواقف المتناقضة تعبيرا عن هول هذه الصدمة، وفئة لجأت الى الدجل السياسي الذي تمثل في إعتماد كل الوسائل للتقليل من شأن التشييع الذي شغل العالم كله بقياداته ووسائل إعلامه بالحشود التي شاركت وبالتنظيم الذي أخرجه بأبهى صورة، وبالالتزام الأسطوري الذي أظهره المشاركون حبا بالشهيدين وإحتضانا ودعما للمقاومة، وصولا الى الإنزعاج الإسرائيلي الذي ترجم بتنفيذ المقاتلات الحربية الصهيونية غارتين وهميتين على المدينة الرياضية التي ثبت جمهورها في أماكنهم وزادهم ذلك حماسة وشجاعة وإلتزاما.

لم يقتصر الأمر على الخصوم، بل تعداه أيضا الى بعض الحلفاء والأصدقاء من رؤساء الأحزاب والوزراء والنواب الذين قصّروا عن المشاركة الشخصية في التشييع إما خوفا من العقوبات الأميركية، أو “تبييض الوجه” مع أولياء أمورهم إقليميا ودوليا أو لتوجيه رسائل سياسية معينة، أو لتقاعسهم أو “نقلهم البارودة من كتف الى كتف”، ظنا منهم أن المقاومة قد ضعفت ولم تعد كما كانت عليه، وبالتالي فإن المصلحة السياسية معها قد توشك على الإنتهاء ولا داعي لهذه المغامرة بالمشاركة في التشييع، إلا أن المشهدية الجماهيرية التي فرضت نفسها على العالم أجمع، ألحقت بهم صدمة سارع بعض المقصرين الى التفتيش عن وسيلة للخروج منها وإعادة وصل ما يمكن أن يقطعه الغياب عن التشييع، وربما يستفيد كثير من هؤلاء من مجلس العزاء والتبريكات الذي يقيمه حزب الله خلال اليوم وغدا لإستلحاق ما فاتهم خلال التشييع.

وبغض النظر عن الصدمة التي أحدثتها المشهدية الجماهيرية في التشييع وتعاطي المكونات اللبنانية معها، فإن دلالات ما شهدته مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيطها القريب والبعيد من حشود فاقت كل التوقعات، تؤكد بما لا يقبل الشك، أن المقاومة وبالرغم من مجزرتيّ البايجر والتوكي ووكي، وخسارتها سيدها الشهيد حسن نصرالله وخلفه السيد الشهيد هاشم صفي الدين، وكثير من القادة الكبار، وتعرض بيئتها للقتل والتشريد بفعل التدمير الممنهج والكامل للقرى والبلدات، فإن هذه المقاومة ما تزال حاضرة بقوة وعزم وثبات وهي قادرة على المواجهة، وأن بيئتها باقية على إلتزامها الثابت والراسخ، ما يعني قوة سياسية وشعبية وعسكرية ستفرض نفسها على موازين القوى في الساحة اللبنانية، وسيكون لها تأثيرها ونفوذها في الاستحقاقات الكبرى.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد