أوراق سياسية

زيارة عون للسعودية... عودة لبنان إلى الحضن العربي أم مناورة في الوقت الضائع؟

post-img

 حسين صبرا (الأخبار)

بعد أعوام طويلة من الغياب اللبناني عن المملكة العربية السعودية، جاءت زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون للرياض أمس الثلاثاء، في توقيت يفتح باب التساؤلات حول مستقبل العلاقات اللبنانية - السعودية، وحدود الدعم الذي يمكن أن تقدمه الرياض لبيروت في ظل التحديات الإقليمية المتفاقمة. فهل تشكّل هذه الزيارة بداية مرحلة جديدة من التعاون الفعلي؟ أم إنها مجرد خطوة ديبلوماسية لن تغيّر في واقع الأزمة اللبنانية العميقة؟

دلالات الزيارة وتوقيتها

الزيارة، التي بدأت أمس الثلاثاء تُعدّ الأولى إلى السعودية منذ سنوات، ما يعكس رغبة مشتركة في إعادة ترتيب العلاقات بين البلدين بعد مرحلة من البرود. جاءت هذه الخطوة بعد أكثر من عامين من الجمود السياسي في لبنان، الذي تفاقمت أزماته الاقتصادية والاجتماعية، وسط انسداد الأفق أمام أي حلول محلية.

إلى ذلك، يحمل التوقيت بُعدًا إقليميًا أكثر منه لبنانيًا. فالمملكة، التي أعادت ترتيب أولوياتها في المنطقة بعد التقارب السعودي - الإيراني، تسعى إلى إعادة ضبط سياستها تجاه لبنان، في وقت تشهد المنطقة تحوّلات كبرى، بدءًا من العدوان المستمر على غزّة، وصولًا إلى التصعيد المتزايد من ناحية خرق وقف إطلاق النار من الجانب "الإسرائيلي" في لبنان وعدم تحرير الأسرى اللبنانيين، إضافة إلى الأحداث المتسارعة في سورية عقب سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

اللقاءات والمباحثات: إعادة ترتيب الأولويات

استُقبل الرئيس عون من قبل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في قصر اليمامة، حيث جرت مباحثات مكثفة تناولت ملفات رئيسية عدة، أبرزها، دعم الجيش اللبناني كأولوية سعودية لمواجهة أي فراغ أمني محتمل، وسط الأزمة التي تعصف بالمؤسسة العسكرية. وصولًا إلى البحث في الوضع الاقتصادي اللبناني وإمكانية دعم المملكة لاستثمارات ومشاريع تنموية، بشرط تحقيق إصلاحات جذرية.

ولم يوفّر اللقاء التباحث في الملف السياسي اللبناني، إذ شدّدت السعودية على ضرورة تطبيق اتفاق الطائف، ورفض أي محاولات لتعديل التوازنات الداخلية.

لكن ما لم يُعلن رسميًا هو الحديث عن حزب الله ودوره في لبنان، وهو الملف الذي دائمًا ما كان (عثرة) في العلاقات بين بيروت والرياض وفقًا للأخيرة. ورغم أن البيانات الرسمية لم تتطرّق إليه بشكل مباشر، فإن السعودية لم تخفِ رغبتها في تحجيم نفوذ الحزب داخل المؤسسات اللبنانية، وهو ما بدا واضحًا في تصريحات مصادر سياسية مواكبة للزيارة.

البيان المشترك: نقاط اتفاق أم رسائل مبطنة؟

اختُتمت الزيارة ببيان سعودي - لبناني مشترك تضمن نقاطًا عدة:

الالتزام باتفاق الطائف باعتباره الضامن الوحيد لوحدة لبنان واستقراره.
حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهو بند دائمًا ما شددت عليه السعودية، لكنّه يواجه واقعًا مغايرًا على الأرض. (تحديدًا بعد تمادي "إسرائيل" في عدوانها بعد الهدنة التي وافق عليها الجانبان).
التأكيد على القرارات الدولية الخاصة بانسحاب قوات الاحتلال "الإسرائيلي" من الأراضي اللبنانية.
هذه النقاط، رغم أنها تعكس توافقًا عامًا، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل سياسية متعددة الأوجه. فمن جهة، تسعى المملكة إلى ترسيخ رؤيتها للبنان كدولة ذات سيادة، لكنّها في المقابل تدرك تعقيدات المشهد اللبناني الداخلي، إذ لا يمكن لأي طرف محلي تجاوز التوازنات القائمة، أو فرض واقع جديد من دون حسابات دقيقة.

ردود الأفعال: بين الترحيب والتحفظ

داخليًا ومما لا شكّ فيه، أن بعض الأحزاب في لبنان مثل القوات اللبنانية ترى في زيارة عون خطوة ضرورية لعودة لبنان إلى الحضن العربي، وفرصة لا تفوّت لنزع سلاح المقاومة وتزايد الضغوط عليها في الداخل.

أما على المستوى السعودي، فقد كان الإعلام الرسمي أكثر تحفظًا في تغطية الزيارة، حيث ركّز على الجانب البروتوكولي والديبلوماسي، ما يعكس عدم وجود قرار واضح حتّى الآن بشأن طبيعة العلاقة المستقبلية مع لبنان، وترك الباب مفتوحًا أمام التطورات القادمة.

لفهم أبعاد الزيارة، لا بد من وضعها في سياق أوسع. فمن المنظور السعودي، المملكة ليست في وارد الانخراط في دعم غير مشروط للبنان كما كان الحال في السابق. إذ تعتمد سياسة الواقعية البراغماتية، وتربط أي دعم بمسألة الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وضمان عدم استفادة أي طرف تعتبره (معاديًا) من هذا الدعم.

أما من المنظور اللبناني، ورغم أهمية الزيارة، إلا أن عون يعود إلى بيروت من دون وعود ملموسة بحلول للأزمة الاقتصادية، ما يعني أن الضغوط المالية ستبقى قائمة، والمراهنة على دعم سعودي مفتوح قد لا تكون في محلها.

ماذا بعد؟

لا يمكن اعتبار زيارة عون للسعودية مجرد حدث بروتوكولي، فهي تحمل في طياتها محاولة لإعادة التموضع اللبناني ضمن الخريطة الإقليمية، لكنّها في الوقت ذاته تعكس الحدود الجديدة للسياسة السعودية تجاه لبنان، إذ لم يعد الدعم غير المشروط خيارًا مطروحًا، وخصوصًا بعد التحولات السياسية في لبنان وما حملته تحديدًا الانتخابات الرئاسية من تدخّلات سعودية وأميركية واضحة.

ولكن، هل ستدفع هذه الزيارة نحو خطوات عملية لتحسين الوضع اللبناني، أم إنها ستكون مجرد محطة عابرة في سياق المشهد الإقليمي المتشابك؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

على أن هذه الإجابة مرتبطة بملفات متفجرة قد تكون أكبر من قدرة الأطراف اللبنانيين على تحمل تبعاتها، وهي التي تبدأ بنزع سلاح المقاومة ولا تنتهي بركوب لبنان قطار التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد