حسين كوراني/ خاص موقع أوراق
حدّد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار موعد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في 4 أيار/مايو 2025، وذلك على أربع مراحل. وأشار إلى أن: "التحضيرات جارية على كلّ المستويات، ولدينا عناية خاصة بمنطقة الجنوب ونحن على تواصل يومي مع محافظي الجنوب والنبطية من أجل اجراء مسح شامل، خصوصًا للقرى الحدودية التي تعرضت لدمار كبير بعد الاعتداءات الإسرائيلية. وآمل أن يكون لدينا في أقرب فرصة صورة واضحة وشاملة بهذا الموضوع والتوجّه أن تجري الانتخابات في كلّ الأمكنة المخصصة لها.. وبالإجمال كلّ الأمور جاهزة، وأعددنا خطة لزيادة الاعتمادات المخصصة بدلات لكل القوى المشاركة".
في هذا السياق، رفعت لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات توصية إلى الهيئة العامة في مجلس النواب، تشدد فيها على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في جميع المناطق في مكانها، بما في ذلك المناطق التي هدمها العدوّ الإسرائيلي.
بعد التمديد أقرت الانتخابات
تجرى الانتخابات البلدية في لبنان دوريًا كلّ ست سنوات، إذ يبلغ عدد البلديات في البلاد 1064 بلدية موزعة على 8 محافظات. وفي 25 نيسان/إبريل 2024، أرجأ البرلمان اللبناني الانتخابات البلدية للمرة الثالثة منذ إنشاء المجالس الحالية في أيّار/مايو 2016، ما أدّى إلى تمديد ولاية المسؤولين المحليين لغاية 31 أيّار/مايو 2025. تُثير هذه السلسلة من التأجيلات التي بدأت في العام 2022 واستمرت إلى العام 2023، مخاوف جدّية حيال الحوكمة المحلية والديمقراطية في لبنان. وتُعزى هذه التأخيرات إلى التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية المستمرة خاصة بعد الحرب الأخيرة التي شنتها "إسرائيل"، بالإضافة إلى القيود المالية وعدم الاستعداد الإداري. ولطالما شهدَ لبنان في تاريخه الحديث تأخيرات كبيرة في مواعيد الانتخابات البلدية، إذ أُجريت ستة انتخابات فقط في السنوات الـ 72 الماضية (1952، 1963، 1998، 2004، 2010، و2016). وسُجّل آخر تأجيل مُطوَّل في ستينيات القرن العشرين، إذ تأخّرت الانتخابات التي كانَ من المقرّر إجراؤها في العام 1967 لأكثر من ثلاثة عقود لغاية العام 1998.
من بين الأسباب المتعدّدة لتمديد عمل البلديات، في العام 2022، الخشية من زعزعة التكافؤ التقليدي في المجلس البلدي للعاصمة بيروت بين المسلمين والمسيحيين، كونه من الشواغل المهمّة بالنسبة إلى الأحزاب المسيحية، وخاصة بعد تعليق تيار المستقبل لأنشطته وعدم وجود حليف سُنّي قوي، أصبح من غير المرجّح الحفاظ على هذا التوازن، ما يثير المخاوف بشأن التمثيل المسيحي.
إشكالية القرى الحدودية المدمرة
ينطلق البحث في احتمال تأجيل تقني للانتخابات بسبب الدمار الذي لحق بالقرى الحدودية غير الصالحة للسكن، وآثار الحرب على قرى وبلدات الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. أما لناحية المهل القانونية، فيقفل باب تنقيح لوائح الشطب بعد بضعة أيام لتصبح اللوائح ثابتة في نهاية شهر آذار، هذا على الرغم من أن سكان القرى الحدودية لم يتأكدوا من لوائح الشطب. والمختارون في القرى الحدودية لم يعملوا على طلب أي تصحيح أو تعديل للوائح الشطب التي نشرتها وزارة الداخلية في مطلع الشهر الحالي.
لكن رئيس الحكومة القاضي نواف سلام يعمل لإجراء الانتخابات بعد تذليل العقبات التقنية. والتأجيل لمدة قصيرة يكون فقط في حال لم تحل المشكلات التقنية. وبما يتعلق بالقرى الحدودية المدمرة التي لا يمكن إجراء الانتخابات فيها بالمعنى اللوجستي، نظرًا إلى الدمار الذي طال المدارس (مراكز الاقتراع)، ثمة حلول تدرس حاليًّا؛ ومنها تأجليها أو إجراؤها في القرى المجاورة لها.
أهمية المشاركة في الانتخابات البلدية
لم يكتسب أي بلد صفة الديمقراطية ما لم يجرِ انتخابات نزيهة؛ لأنها أساس الشرعية الديمقراطية. إذ إن الانتخابات تشكّل عنصرًا أساسيًا لأي نظام ديمقراطي يعمل على تحسين ظروف العيش من خلال ربط مصالح الناخبين التي تأتي بالمجالس البلدية بمصالح الحكومات، وإفساح المجال أمام المواطنين لاختيار الممثّلين الذين يعكسون إرادتهم. من هنا، تسهم الانتخابات النزيهة في تحقيق أهداف التنمية على المدى الطويل.
كما أن أهمية المشاركة الانتخابية تكمن في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية، وكلما كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثير قوي أكد هذا التأثير أن المسيرة الديمقراطية تسير على نهج سليم في البلد الذي يعقد فيه الانتخابات، سواء أكانت انتخابات نيابية أم بلدية.
وعليه، فالشعب الذي يعاني عدم إخلاص ممثليه، يعاني مشاعر الإحباط التي تدفعه إلى مشاعر عدم جدوى المشاركة في صنع القرار السياسي، لكونه يدرك أن المشاركة الانتخابية لن تغير الواقع، ولن تحقق له متطلباته. ومن أجل ضمان أفضل علاقة إيجابية بنَّاءة ومؤثرة في الإدارة المنتخبة، ومن أجل توجيه تلك الإدارة نحو برامج تصب في خدمة جمهور الشعب المصوِّت، لا بدّ أنْ يشارك أوسع جمهور في عملية التصويت من جهة وأنْ تتمَّ عملية الاختيار والانتخاب وفقًا لمعايير دقيقة وقراءة متمعنة في طبيعة ممثلي الإدارة المنتخبة وفي توجهاتهم وبرامجهم من جهة أخرى.