جريدة الأخبار
لبنان يعيش في عجز مالي مستمر مع الخارج. هذا يعني أن ما يخرج من عملات أجنبية من الاقتصاد اللبناني يفوق العملات الأجنبية التي تدخل إلى البلد. العامل الأساسي الذي يُسهم في هذه النتيجة هو العجز التجاري الذي يعاني منه الاقتصاد اللبناني، والذي يعني اعتماد البلد المفرط على استيراد البضائع، مقابل مستوى منخفض من التصدير. في خضم كل ذلك، كان فائض «ميزان الخدمات» يسهم في تخفيف حدّة انعكاس العجز في الميزان التجاري على ميزان المدفواعات، ولكن اللافت أنه في عام 2024، انخفض فائض ميزان الخدمات إلى نصف ما كان عليه في 2023.
قبل الأزمة، كان ميزان الخدمات في حالة فائض دائمة، ففي 2017، سجّل ميزان الخدمات فائضاً بلغ نحو 1.27 مليار دولار، وهو أول مؤشر على قدرة قطاع الخدمات اللبناني على مواجهة ضغوط العجز التجاري. ورغم تقلّب مكونات هذا الميزان، بقيت خدمات السياحة المحرّك الأهم، إذ حققت وحدها عائدات تجاوزت 7.6 مليارات دولار في تلك السنة، مقابل عجز في خدمات النقل بنحو 834 مليون دولار، بينما سجّل بند خدمات التأمين عجزاً إضافياً قدره 246 مليون دولار.
خلال 2019، انخفض الفائض إلى 440 مليون دولار علماً بأن الخدمات السياحية ارتفعت إلى 8.6 مليارات دولار وتفاقم عجز النقل إلى 1.14 مليار دولار، مع تراجع «الخدمات الأخرى» إلى 3.9 مليارات دولار، وهو كان أحد الأسباب الأساسية في انخفاض فائض ميزان الخدمات من نحو 1.27 مليار دولار إلى 440 مليوناً بين 2017 و2019.
استعاد ميزان الخدمات بعضاً من عافيته في 2021 فوصل فائضه إلى 787 مليون دولار، مدعوماً بتحسن نسبي في السياحة التي ارتفعت إلى 3.14 مليارات دولار وتقليص عجز النقل إلى 958 مليون دولار، فيما بقيت «الخدمات الأخرى» مستقرة عند نحو 2.08 مليار. وشهد عام 2022 أعلى مستوى لفائض الخدمات بواقع 1.53 مليار دولار، في ظل انتعاش السياحة إلى 5.32 مليارات دولار، رغم اتساع عجز النقل إلى 1.30 مليار. وفي 2023، حافظ ميزان الخدمات على قدرته على تلطيف حدة العجز الخارجي بوصول الفائض إلى 1.31 مليار دولار، ارتكز بشكل أساسي على إيرادات السياحة البالغة 5.56 مليارات دولار، في حين بلغ عجز النقل 1.17 مليار دولار، وحققت «الخدمات الأخرى» 1.60 ملياراً. أما عام 2024، فأفصح عن تحدّيات إضافية بانخفاض فائض الخدمات إلى 740 مليون دولار حتى نهاية العام، حيث تراجع عائد السياحة إلى 4.65 مليارات دولار وتفاقم عجز النقل إلى 1.20 مليار، في حين بقيت «الخدمات الأخرى» عند 1.83 مليار.
عملياً، الخدمات الأخرى كانت تضم الخدمات المصرفية، التي كانت تُشكّل مصدر دخلٍ كبيراً للبلد خصوصاً مع حركة الأموال الكبيرة التي كانت تدخل إلى البلد قبل الأزمة. وهذا الأمر بات واضحاً عبر الانخفاض الكبير في حجم «الخدمات الأخرى» التي لم تتعافَ حتى بعد 5 سنوات من الأزمة.
بعد الأزمة، بقي قطاع الخدمات– وعلى رأسه السياحة–مصدراً مهماً للعملات الأجنبية بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني، إذ وفّر خلال السنوات الثماني الماضية موارد حيوية خفّفت من وطأة العجز التجاري، وأسهمت في تخفيف العبء على الاقتصاد في هذا السياق. إلا أن أثر انهيار القطاع المصرفي على ميزان الخدمات لا يزال واضحاً. وقد انعكست الحرب في سنة 2024 بشكل كبير على وضع ميزان الخدمات الذي انخفض إلى النصف مقارنة بسنة 2023.