أوراق سياسية

 لبنان بين هواجس الغد وواقع المشهد السياسي!.. 

post-img

جوزيف القصيفي (سفير الشمال)
  
يقف لبنان قبيل انطواء هذا العام على مفترق مفصلي قد يكون فيصلا بين مرحلة ومرحلة. ولا اكون مغاليا إذا قلت أن ثمة رهانًا على مستقبله في ظل احتدام الخطاب السياسي ذي المفاعيل البركانية التي تؤجج الصراع الذي ينعكس تشنجا في المواقف، ولا يترجم تفجرا على الأرض بسبب السهر الدائم للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية على احتواء أي توتر. 

وبمعزل عن النيات الإيجابية المتبادلة بين بيروت ودمشق لجهة حسم الموضوعات العالقة والملفات المتشابكة، فان المفاوضات الجارية لم تحرز تقدما يذكر باستثناء معالجة بعض القضايا غير الرئيسة. 

كل ذلك وسط خشية وجود اتّجاه دولي أو على الاقل تساهل تحت عنوان: “البراغماتية” لتلزيم لبنان لسورية وإن بطريقة مختلفة عن التي اعتمدها النظام السابق. 

وإذا أردنا توصيف تظاهرات النازحين السوريين احتفاء بسقوط بشار الاسد لن نجد تعبيرا افضل من: انه انتشار امني ـ سياسي له دلالات بالغة الخطورة، ويستبطن رسائل للجميع مفادها: أن تغيير النظام لا يعني تغيير المقاربة السورية التاريخية في لبنان. 

ويجد الرئيس الانتقالي للدولة السورية أحمد الشرع في الإدارة الأميركية سندا له وعضدا، ولا سيما من الموفد توم براك الذي لا تهمه الشؤون السيادية للدول بقدر ما تهمه المصالح الاقتصادية، وهذا ما جعله صاحب حظوة لدى صديقه الرئيس دونالد ترامب. 

وإذا كانت الأجواء الدولية والإقليمية لا تسمح لـ"إسرائيل" بإعادة اجتياح الجنوب والبقاء فيه مخافة تثبيت مشروعية مقاومتها، مما يمنع المواجهة المباشرة بين الجيش "الإسرائيلي"  والمقاومة، خصوصًا بعد انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني بشكل كبير ومن دون اعتراض من ” حزب الله” أو تحرك لجمهوره ضدّ دورياته المشتركة مع ” اليونيفيل”. 

في موازاة ذلك لا يبدو أن هناك ما يؤشر إلى حرب وشيكة، كما “يبشر” الساعون إليها الذي يقتاتون سياسيًّا من موائد النار، فالحسابات قد تكون مغايرة لاولئك الذين يتشبثون برهانات تتلاءم مع تمنياتهم. على أن أحدا لا يستطيع لوم لبنان الرسمي، أو توجيه أي اتهام له بالتقصير إذا لم تف الدول الغربية والعربية بوعودها، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية بتعزيز الجيش اللبناني عددًا وعتادا، وإذا لم تلتزم "إسرائيل" بقرار وقف إطلاق النار والأعمال العدائية كليا. 

أما في الداخل فلا يبدو أن الأمور تسلك طريقها إلى المواجهات الحادة بعدما سجل رئيس المجلس النيابي نبيه بري نقاطا لمصلحته بعدم إدراج التعديل على قانون الانتخاب على جدول أعمال المجلس بإصراره على السير بالقانون النافذ واحتمال اعتماد التأجيل التقني، وأيضًا في نجاحه بتأمين النصاب لجلسة يوم الخميس في الثامن عشر من الجاري بجدول أعمال عادي لا يتضمن بند قانون الانتخاب المحال من الحكومة بصيغة اقتراح قانون. ورأت جهات مراقبة أن الحملات السياسية الناشطة، تندرج في سياق رفع السقوف لأسباب انتخابية، واشتداد التنافس واحتدامه بين الافرقاء في محاولة لتعزيز مواقفهم على طريقة:”شوط عالي وخود جمهور”. 

في أي حال، فان المشهد السياسي سيكون منذ العام الجديد مفتوحا على متغيرات لا يمكن التكهن بمداها، ولكنها حاصلة حتما. 

وقد بدأ التمهيد لها منذ اليوم، إذ ليس تفصيلًا المشاركة السنية في جلسة المجلس النيابي، وهي مشاركة لها مغزاها لأنها تتخطّى حدود اللعبة الداخلية إلى رسم خطوط تشي بأن هناك رسالة تلقاها من ينبغي أن يتلقاها بأن للحالة السنية في لبنان “أجندة” تتمايز عن عن أجندة آلاخرين ولو تماهت معها في بعض الاستحقاقات. 

إن لبنان الرسمي والسياسي دخل في مدار الأعياد التي يحرص الجميع على مرورها بسلام وطمأنينة في انتظار إطلاق صافرة النشاط في مطلع العام الجديد وما قد يحمله من مفاجآت وهو الذي سيشهد في ربعه الأول الرسو على واحد من الخيارين: إجراء الانتخابات النيابية أو عدم إجرائها، أضافة إلى البت نهائيًّا في موضوع الودائع. وذلك بصرف النظر عن أمور خارجة عن قدرة أي طرف على التحكم بها. 

قد يكون العام 2026 أقل سخونة من العام الحالي، لكنّه بطبيعة الحال لن يخلو من مفاجآت غير متوقعة تدفع الأوضاع في اتّجاهات شتّى.
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد