اوراق مختارة

إعادة الإعمار vs سلاح المقاومة... لن تنجح قطعاً

post-img

علي حيدر (الأخبار)

تتردّد عبارات الانسحاب الإسرائيلي والالتزام بإعادة الإعمار على ألسنة كبار المسؤولين في لبنان. لكن، يغيب عن الخطاب الرسمي كيفية تحقيق ذلك.

والتحدّي الأخطر في هذا المجال هو: هل تكمن المصلحة الوطنية في تحقيق مطالب العدو بتجريد لبنان من أهم عوامل قوته، في بيئة استراتيجية حبلى بالتطورات والمتغيّرات التي تنطوي على مخاطر حقيقية وواقعية على واقعه ومستقبله ووجوده؟

لا حاجة إلى بذل كثير من الجهد لاكتشاف رهانات الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية في مواجهة المقاومة وما قد يترتّب عليها من تداعيات ومخاطر.

وهي تقوم على وضع لبنان وشعبه أمام خيارين: منع إعادة الإعمار وعدم الانسحاب من النقاط المحتلة واستمرار الاعتداءات، أو التخلي عن سلاح المقاومة. والأهم في هذه الاستراتيجية هو سد الأبواب لمنع لبنان من انتهاج خيار بديل يحقّق المصالح الوطنية، مع حملة سياسية وإعلامية لتحميل المقاومة المسؤولية وليس مصدر التهديد الذي يشكّله العدو، ورفع مستوى الضغط على المقاومة وأهلها، والأشد خطورة محاولة لتحويل الاستسلام لمطالب العدو إلى «خيار عقلاني»!

تنفيذاً لهذا المخطط، يُعمل على سد الأبواب للحؤول دون إعادة الإعمار عبر الأموال التي يمكن أن توفّرها المقاومة من الخارج، وخصوصاً إيران، إذ يسلب ذلك واشنطن وتل أبيب ورقة الابتزاز التي تهدف إلى إخضاع لبنان والضغط على جمهور المقاومة، على أمل أن يدفع نحو الوضع التالي: إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم إلا بأموال توفّرها دول غربية وخليجية مانحة (على فرض أن ذلك سيتحقق)، وهذه الدول لن تقدّم أموالاً إلا بعد نزع سلاح حزب الله. والأمر نفسه ينطبق على انسحاب العدو من النقاط التي لا يزال يحتلها في جنوب لبنان، وعلى وقف الاعتداءات... وبالتالي، على المقاومة إبداء «مرونة» والتخلي عن قدراتها العسكرية.

ما ينبغي تأكيده في هذا السياق، أن إعادة الإعمار - بالنسبة إلى المقاومة - ليست أقل أهمية من سلاحها، ولذلك فإنها بالتأكيد ستفعل كل ما يمكن لإطلاق عملية إعادة الإعمار، مثلما هي مستعدّة لفعل كل شيء للحفاظ على مستقبل لبنان وأمنه من خلال الحفاظ على مقاومته.

وتجدر الإشارة إلى أن وصف الحملات التي تستهدف المقاومة بأنها تنفيذ لمخطط إسرائيلي لا ينبع فقط من التحليل والمقارنة بين أداء البعض والخطة الإسرائيلية، بل أيضاً من مواقف بعض قادة العدو. ومن بين هؤلاء نائب رئيس أركان الجيش السابق اللواء أمير برعام الذي كتب مقالة في مجلة الجيش، في الشهر الذي تولّى فيه قيادة المنطقة الشمالية عام 2019، ركّز فيها على ضرورة تفكيك معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، عبر سلسلة اقتراحات من بينها تصوير «الصراع الذي يخوضه حزب الله، ويقدّم فيه نفسه حامياً للبنان، بأنه إنما يتم بتعليمات من إيران»، وأن نشاطات حزب الله «قد تجرّ خراباً على لبنان وليس حمايته».

وضمن نفس الإطار يندرج أيضاً ما برز أخيراً من نيات إسرائيلية لاستدراج لبنان إلى مفاوضات سياسية، بغطاء ودعم أميركييْن، وبذريعة انتهاء دور لجنة المراقبة العسكرية الخماسية، والشروع في اجتماعات على المستوى السياسي تحت شعار معالجة نقاط متفرقة على الخط الأزرق.

اللافت أن بعض من يُنظِّر لخيار نزع سلاح المقاومة يستشهد بقرارات مماثلة لأحزاب تخلّت عن سلاحها ضمن تسوية سياسية، وهي مقارنة تتجاهل الخطر الصهيوني على لبنان. فسلاح المقاومة مسألة استراتيجية تمس الأمن القومي وتنطوي على رسائل استراتيجية تتصل بمستقبل لبنان ومصيره، إذ كيف سيقرأ العدو السيناريو المفترض بتسليم سلاح المقاومة وكيف سينعكس ذلك على تقديراته وخياراته وسياساته، وألا يشكل ذلك استحضاراً للهيمنة الإسرائيلية على القرار السياسي والاستراتيجي اللبناني بشكل تام؟

ومن سيملأ الفراغ الذي سينتج عن التخلي عن سلاح المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي تقف وراءه الولايات المتحدة؟ وهل يؤدي التخلي عن سلاح المقاومة إلى تعزيز أمن الجنوب أم تعزيز التهديدات المُحدقة به؟

من أبجديات الأمن القومي تحديد التهديدات والمخاطر المحدقة بواقع ومستقبل لبنان وسيادته وأمنه وسلامة أراضيه وشعبه... وهل يلتفت هؤلاء إلى أن التهديد الذي يشكّله العدو الإسرائيلي على لبنان هو أكبر من أي دولة عربية أخرى، بسبب محدودية إمكانات لبنان الطبيعية وموارده وقدراته، بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، في مواجهة هذا التهديد؟ فهل في مثل هذه البيئة الإقليمية يتم التخلي عن أحد أهم عوامل القوة؟

هل لدى أحد تصور إزاء اتجاه المتغيّرات الإقليمية والدولية وانعكاسها على لبنان؟ وألا تكفي تجارب انعكاساتها وتداعياتها في العقود السابقة للاستعداد لما قد تحمله المتغيّرات اللاحقة؟

في الخلاصة، المؤكّد أن معادلة إعادة الإعمار وعناوين أخرى مقابل سلاح المقاومة لن تنجح قطعاً، وأن ما هدمه العدو سيتم إعماره في نهاية المطاف. ولا توجد قوة محلية أو إقليمية يمكن أن تنزع سلاح الوجود. ومهما كانت الظروف، فإن المقاومة تتحرك في وتيرة تعافٍ أكثر من يدرك مفاعيلها ومخاطرها الأميركي والإسرائيلي، وهذا ما يفسّر تصميمهما وتسرّعهما في العديد من الملفات.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد