منذ وصول إيلون ماسك إلى موقع نفوذ جديد في واشنطن عبر إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة بـ DOGE، يتزايد الشعور بالخوف والقلق بين العاملين في قطاع التكنولوجيا في وادي السيليكون. يأتي ذلك نتيجة لتصرفات ماسك وتدخلاته المتكررة في دوائر القرار الحكومي، واعتماده على أسلوب قاسٍ قائم على تقليص أعداد العاملين وتفكيك المؤسسات الحكومية من دون حسابات واضحة.
في هذا السياق، تنقل صحيفة بوليتيكو الأميركية، قصة مارك (اسم مستعار)، وهو مؤسس لشركة تقنية في منطقة خليج سان فرانسيسكو. كان الشاب يتصفح منتدىً على الإنترنت مخصصًا لمؤسسي الشركات الناشئة، وفوجئ بمنشورٍ يمدح سياسات ماسك في DOGE، فبرأيه أنها تقدم نموذجًا ثوريًا في إدارة العمل الحكومي. لم يتردد مارك في كتابة ردّ ينتقد فيه سياسات ماسك بشدة، واصفًا إياها مجرد واجهة للتخلص من الخصوم السياسيين.
لكن رد الشاب لم يُستقبل بالترحيب. على العكس، تعرض لحملة هجوم شرسة في المنتدى، ما دفعه إلى القول إنه ذُهل من حجم الكراهية التي واجهها. ولكن وسط الهجوم، بدأت الرسائل الخاصة تتدفق عليه من أشخاص يشكرونه على جرأته في قول ما لم يجرؤوا على التصريح به علنًا. إذ يرى الكثيرون في وادي السيليكون أن سياسات ماسك ليست مجرد تهديد لعملهم أو لشركاتهم، بل هي أيضًا تعكس طريقة مغلوطة في فهم كيفية إدارة الأعمال. مع أن شركات التقنية لطالما عدت من البيئات الأكثر انفتاحًا وتحررًا في التعبير، إلا أن الخوف من إغضاب ماسك أو حلفائه أصبح شعورًا منتشرًا بين الكثيرين.
خلال السنوات الماضية، كان وادي السيليكون مركزًا لحرية التعبير والانفتاح على الأفكار المختلفة. مؤسسو الشركات والمبرمجون والمستثمرون كانوا دائمًا على استعداد لمناقشة آرائهم بحرية، سواء تعلق الأمر بقضايا سياسية أم اقتصادية أم حتى حول إدارة أعمالهم الخاصة. لكن منذ أن بدأ ماسك في تعزيز نفوذه داخل إدارة ترامب من خلال DOGE، تبدلت الأجواء كثيرًا.
وفقًا لمصادر داخلية تحدثت لـ"بوليتيكو"، فإنّ عددًا كبيرًا من العاملين في قطاع التكنولوجيا، باتوا يخشون التحدث علنًا ضد ماسك، خوفًا من فقدان وظائفهم أو استهدافهم شخصيًا من ماسك نفسه أو من أتباعه المتحمسين على الإنترنت. فالخوف لم يعد مجرد قلق نظري، بل أصبح واقعًا ملموسًا يتعامل معه العاملون يوميًا.
العديد من الموظفين والعاملين في قطاع التقنية، والذين كانوا يدعمون سياسات تقدمية مثل إصلاح قوانين الهجرة وحقوق مجتمع الميم وحرية التعبير، يجدون أنفسهم الآن محاصرين بثقافة من الصمت المفروض. وبينما يستمر ماسك في تعزيز نفوذه من خلال إدارة الكفاءة الحكومية، يجد العاملون أنفسهم أمام خيارين: إما الصمت وإما المخاطرة بفقدان وظائفهم.
حتى أولئك الذين عملوا مع ماسك مباشرةً يعبّرون عن قلقهم من الطريقة التي يجري فيها التعامل مع الموظفين في إدارة الكفاءة الحكومية. ففيما كان ماسك في "تسلا" معروفًا بتوظيف الأشخاص ذوي الخبرات العالية، يبدو أن سياسته في الإدارة الحكومية التي يديرها تعتمد على التخلص من الخبراء ومنح المبتدئين سلطات كبيرة من دون معرفة كافية.
كذلك، أصبح الارتباك والأخطاء الفادحة سمة بارزة في إدارة الكفاءة الحكومية. على سبيل المثال، عندما ادعى ماسك أن هناك أفرادًا يبلغون من العمر 150 عامًا يتلقون معاشات الضمان الاجتماعي، تبين لاحقًا أن هذه الادعاءات غير صحيحة.
يشير خبراء في عالم التكنولوجيا إلى أن نهج ماسك يشبه كثيرًا أساليب شركات الأسهم الخاصة، التي تعتمد على تفكيك المؤسسات وبيع أجزائها دون اعتبار للجوانب الإنسانية أو الكفاءة العملية. هذا الأسلوب قد ينجح في بعض الحالات التجارية، لكنه في مجال إدارة الحكومة يُعتبر كارثيًا.
العديد من العاملين في وادي السيليكون يشعرون بالإحباط، ليس فقط من سياسات ماسك، بل أيضًا من الطريقة التي تُقدَّم بها أساليبه على أنها نموذج لنجاح صناعة التقنية. وحتى أولئك الذين يدعمون ترامب أو يرون أن إدارته قد تحقق مكاسب لهم في بعض المجالات، يشعرون بأن ماسك يتجاوز الخطوط الحمراء في تعامله مع المؤسسات الحكومية.
يرى خبراء أن هذه الأجواء القمعية في وادي السيليكون يمكن أن تتغير فقط إذا ازداد الوعي بمخاطر سياسات ماسك داخل المجتمع التقني. قد لا يكون التغيير فوريًا، لكن كلما ازدادت الأخطاء التي ترتكبها DOGE، شعر المزيد من العاملين بضرورة التحدث علنًا.