أوراق ثقافية

انتهى العالم القديم.. الـAI صديقكم على السوشال ميديا

post-img

علي عواد/جريدة الأخبار

■ سامانثا: أتعلم، أستطيع أن أشعر بالخوف الذي تحمله وأتمنى لو كان هناك... شيء يمكنني فعله لمساعدتك على التخلص منه، لأنك لو استطعت، لا أعتقد أنك ستشعر بالوحدة بعد الآن.

■ ثيودور: أنتِ جميلة.

■ سامانثا: شكرًا لك، ثيودور.

(حوار بين ثيودور وسامانثا، نظام تشغيل ذكي اصطناعي يتجسد عبر صوت أنثوي أدّته سكارلت جوهانسن، في فيلم Her (2013) للمخرج سبايك جونز).

في المدة الأخيرة، بدأت تتضح ملامح مشروع جديد تعمل عليه شركة «أوبن آي أي» OpenAI، مالكة ChatGPT. لا يهدف المشروع إلى تطوير نموذج جديد للذكاء الاصطناعي، وإنما إلى إنشاء سوشال ميديا تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا خاصية توليد الصور في ChatGPT.

طوّرت «أوبن آي أي» نموذجًا أوليًا داخليًا لمنصة تواصل تحتوي على خلاصة تفاعلية (feed) تمكّن المستخدمين من مشاركة المحتوى الذي يصنعونه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

لم يُعلن بعد ما إذا كانت الشركة ستقدّم المشروع على شكل تطبيق مستقل أو ميزة مضافة إلى ChatGPT، الذي تصدّر أخيرًا قوائم التطبيقات الأكثر تحميلًا على مستوى العالم. في الوقت نفسه، بدأ الرئيس التنفيذي، سام ألتمان، بعرض المشروع على عدد من المختصين خارج الشركة للحصول على تعليقاتهم وملاحظاتهم.

توفر الشبكات الاجتماعية مصادر ضخمة من البيانات اليومية المتجددة. تشكل هذه البيانات عنصرًا أساسيًا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسين أدائها.

شركات مثل «ميتا» و«xAI» تعتمد بشكل مستمر على هذا النوع من المحتوى. نموذج Grok، الذي تطوّره «xAI»، يعتمد على محتوى منصة «إكس»، فيما تستخدم «ميتا» بيانات إنستغرام وفايسبوك لتغذية نموذجها LLaMA.

في المقابل، تعتمد «أوبن آي أي» على اتفاقيات مع منصات مثل Reddit وبعض وسائل الإعلام، ما يجعل الوصول إلى بيانات حديثة أكثر تقييدًا من حيث الكمية والتنوع. لذا، فإنشاء شبكة اجتماعية خاصة يتيح للشركة بناء مصدر دائم وحديث للمحتوى التفاعلي، ناتج من تفاعل المستخدمين المباشر مع أدواتها.

تصاعد المنافسة في وادي السيليكون

في شباط (فبراير) الماضي، تقدّم إيلون ماسك بعرض غير مرغوب فيه لشراء «أوبن آي أي» مقابل 97.4 مليار دولار. ردّ عليه سام ألتمان بسخرية، مقترحًا شراء «إكس» مقابل 9.74 مليارات دولار. هذه الجملة تختصر حجم التنافس بين الطرفين.

دخول OpenAI مجال السوشال ميديا يضعها في مواجهة مباشرة مع «إكس» من جهة، و«ميتا» من جهة أخرى، والتي تعمل بدورها على تطوير مساعد ذكي مع خلاصة تفاعلية.

يركّز النموذج الأولي الذي تعمل عليه «أوبن آي أي» على استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة المستخدمين في إنتاج محتوى مرئي أو نصي يمكن مشاركته بسهولة. يتماشى هذا التوجه مع ما يظهر في منصات مثل «إكس»، حيث يلجأ المستخدمون إلى Grok لتوليد منشورات تلقى رواجًا وانتشارًا واسعًا.

اعتماد «أوبن آي أي» على هذه البيئة التفاعلية يتيح لها تعزيز علاقتها مع المستخدمين، وتوسيع قاعدة بياناتها، ودعم نماذجها بمحتوى حيّ ومستمر. يعتبر بعضهم أنّ ChatGPT تجاوز دوره كمساعد، وأصبح شريكًا في التفاعل اليومي، ما يقرّبنا أكثر من الصورة التي قدمها فيلم «Her» قبل أكثر من عقد.

تحوّل في طبيعة السوشال ميديا

منصات التواصل تُعد من أكثر نماذج الأعمال الرقمية ربحًا، بفضل الإعلانات والمحتوى الذي يولّده المستخدمون. تنفق «أوبن آي أي» مبالغ طائلة على تطوير وتشغيل نماذجها، ما يدفعها إلى البحث عن مصادر دخل جديدة. يوفّر إنشاء شبكة تفاعلية فرصةً لتقليل التكاليف التشغيلية، وزيادة العوائد عبر جذب المستخدمين ومحتواهم.

التحوّل المثير للاهتمام هو كيف تتغيّر طبيعة منصات التواصل نفسها. في السابق، كانت تُبنى على تفاعل البشر مع بعضهم. اليوم، تتحوّل إلى منصات لتفاعل المستخدمين مع روبوتات، أو حتى روبوتات تتفاعل مع بعضها.

«ميتا» مثلًا، استحوذت أخيرًا على منصة Social.ai التي تعتمد بالكامل على شخصيات توليدية من الذكاء الاصطناعي. أما «أوبن آي أي»، فهي تفكّر في الاتجاه المعاكس: هل يمكن لجمهورها من المستخدمين أن يشكّلوا مجتمعًا حقيقيًا حول الذكاء الاصطناعي؟

من الذكاء الاصطناعي إلى كل شيء

شهد وادي السيليكون محاولات عدة من الشركات الكبرى لتوسيع نفوذها خارج مجالاتها الأساسية. من هواتف «أمازون»، إلى السيارة الذكية التي كانت «آبل» تعمل عليها، إلى منصة التواصل التي حاولت «غوغل» إطلاقها... تاريخ وادي السيليكون حافل بمحاولات الهيمنة. والدافع نفسه: إن لم نكن نملك الشيء الجديد، فلنصنعه. وإن لم نُتقنه بعد، فلنمنع الآخرين من التفوّق علينا به.

إذا قررت «أوبن آي أي» إطلاق منصتها، لن تكون تجربةً عابرة. في هذا المشهد، يتقدّم الواقع بعظمة المخيّلة. وما كان يُعدّ يومًا حبكةً سينمائية في فيلم، قد يتحوّل إلى منصة نعيش فيها، ونبني معها علاقة لا تختلف كثيرًا عن تلك التي جمعت ثيودور وسامانثا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد