مروة جردي/جريدة الأخبار
في عودة إلى الشهر الأول من سقوط النظام السوري، كان يسهل ملاحظة أنّ قنوات «الجزيرة» وتلفزيون «العربي» إلى جانب تلفزيون «سوريا» الذي يبثّ من تركيا، تعاملت مع الحدث بوصفها «أم العروس».
هكذا، فتحت بثًا مباشرًا وتحركت بحرية كبيرة، وسُهِّلت لها عمليات حجز أماكن للتصوير والبث والتغطية على مدار الساعة، والوصول إلى المصادر الضرورية لإجراء المقابلات، حتى مطلع آذار (مارس) الماضي. فُتحت لها مكاتب فيما تعاني وسائل إعلامية أخرى للحصول على تصاريح للتصوير. كما بثت هذه القنوات برامج خاصة في رمضان من دمشق.
مجزرة الساحل غيّرت المشهد
مع خروج الصور والفيديوهات من مدن وقرى في الساحل السوري عن مجازر ارتكبتها قوات تتبع لوزارة الدفاع السورية، بدأت وسائل الإعلام المموّلة قطريًا بتخفيف نبرتها الاحتفالية، وتخصيص مساحة لتسليط الضوء على ارتكابات وانتهاكات الإدارة السورية الجديدة.
لقد برز واضحًا مع صدور التقرير الأول عن المجازر عبر تلفزيون «العربي» في السابع من آذار بعنوان «أحداث الساحل السوري... شبكة حقوقية ترصد إعدامات ميدانية وعمليات انتقام» خلال العمليات الأمنية للقوات السورية في محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري. تلاها مقال في جريدة «العربي الجديد» بعنوان «جرائم ضد المدنيين في الساحل السوري: تحذير من إنتاج ممارسات الأسد».
تضمّن المقال توثيقًا من «العربي الجديد» لروايات عدد من ذوي ضحايا «جرائم عدة ارتكبت بحق مدنيين عزّل ترقى إلى مجازر» بالاستعانة برقم لمرصد حقوقي يعترف بأن عدد القتلى بلغ 1018 شخصًا.
في المقابل، كان لافتًا خروج مراسلة تلفزيون «سوريا» في بثّ مباشر تدين فيه تصرّف أحد العناصر التابعين لما يعرف بـ «مجلس الشورى» في مدينة سوريّة، وهو إحدى هيئات الإدارة السورية الجديدة، مندّدةً بتقييد حرية عملها بصفتها صحافية والاعتداء على زميلها المصوّر.
جاء ذلك بعد أيام من تعيين مدير القناة (حمزة المصطفى) ـــــ التي تبث حاليًا من تركيا على «أمل الانتقال إلى سوريا» كما جاء في موقعها ـــــ وزيرًا للإعلام في الحكومة السورية الانتقالية. وترافق مع تصاعد في خطاب المحطة تجاه السلطة السورية وممارساتها، ودعوة عدد من الشخصيات إلى مقابلات أو كتابة مواد في موقعها تنتقد الإدارة الجديدة وفقًا لأحد المصادر الخاصة.
سياسة تحريرية جديدة
هذا التمايز في الخطاب بين سلطتين سياسيتين مؤيدتين وداعمتين لنظام الرئيس أحمد الشرع مثل تركيا وقطر، والخطاب الإعلامي لوسائل إعلام مموّلة من قبل تلك الدول وتبثّ من أراضيها، وصارت تعمل من داخل سوريا، يشير إلى دور «ناعم» تمرّر فيه الرسائل السياسية إلى الشرع وفريقه كلما خرج عن الخطة المرسومة للانتقال «من الجماعة إلى الدولة»، بما يسهم في التمهيد لرفع العقوبات عن سوريا، والسماح بتدفق الدعم التركي والمال القطري باتجاه الإدارة السورية بعد الحصول على الضوء الأخضر الأميركي.
هو أمر لا يبدو وشيكًا، خصوصًا بعد اضطرار القناتين («سوريا» و«العربي الجديد») إلى رفع الخطاب عبر مقابلات مع شخصيتين محوريتين في الوساطة بين سوريا والغرب، وهما رجل الأعمال أيمن الأصفري، ومدير «مؤسسة الدراسات العربية» عزمي بشارة.
صار جليًا أنّ وسائل الإعلام التي يشرف عليها عزمي بشارة، بدأت تتبنى سياسة تحريرية جديدة أكثر تمايزًا، وخطابًا إعلاميًا تصاعديًا في مواجهة إدارة الشرع.
لقد بلغت ذروتها في مقابلة بشارة الأخيرة التي قال فيها «الظرف في سوريا صعب، ويحتاج وقتًا، لكنّ الوقت مرهون بالنية... والنية لا تحتاج وقتًا لتظهر»، مضيفًا: «إما أن تدير جماعة، أو أن تدير دولة»، في إشارة واضحة إلى غياب المعايير والمسؤولية في التعامل مع تلك الانتهاكات مع صدور قرار تمديد عمل «لجنة تقصي الحقائق في مجازر الساحل» متسائلًا عن «جديتها» بما يُعيد إلى الأذهان موقف عزمي من حليفه السابق بشار الأسد أيضًا.
من هنا، يجب القول إنّ اقتحام وسائل إعلام عزمي بشارة المشهد السوري هو تدخّل «الوسيط» بما يشبه الدور الذي قام به بشارة خلال حصار قطر من قبل دول الخليج بقيادة السعودية، لالتماسه الخطر وضرورة تشجيع صانع القرار في سوريا على تغيير مقاربته لما يجري وعلى البدء بالإصلاح الجذري قبل إغلاق أبواب «المجتمع الدولي» عليه بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي تسعى تركيا نفسها إلى إرضائها، فهل استشعر بشارة بخبرته الأكاديمية الخطر المُحدق بخسارة المشروع الذي تعبت عليه قنواته؟!