بُثت أخيرًا الحلقة الأولى من الموسم الـ27 لمسلسل الكرتون الساخر "ساوث بارك" (South Park)، والمعروف بانتقاده الشديد للسياسة في الولايات المتحدة من دون التمسك بأي قيود رقابية، ما أدخل صنّاعه في كثير من المشاكل مع المؤسسات الدينية والسياسية. الحلقة الأولى هذه أشبه بإعلان حرب على ترامب الذي يظهر بصورة شنيعة، شديدة البذاءة، يخوض حربًا ضد الصوابية السياسية ويقاضي كل من يسخر منه. في هذه الحلقة، يقرر ترامب مقاضاة المدينة الصغيرة "ٍساوث بارك" ليسكت سكّانها، ما يشابه ما يحصل في الواقع، إذ يقاضي الرئيس الأميركي كل من يقف في وجهه وينهكه بالدعاوى القضائية، كما فعل مع "وول ستريت جورنال" وروبرت مردوخ.
انتقاد أساليب ترامب القضائية واضح في المسلسل، بعد أن ألغت "سي بي إس"، ولـ"أسباب مالية"، برنامج ستيفن كولبير المسائي، إثر دعوى رفعها الرئيس الجمهوري على الشبكة، ما أثار حنقًا واسعًا في الولايات المتحدة، حيث تضامن جون ستيورات مع زميله السابق وصديقه. تسخر الحلقة من الجهة المنتجة للمسلسل نفسها التي تعود ملكيتها إلى "باراماونت"، الشركة الأم لشبكة "سي بي إس". بصورة ما، "ساوث بارك" يعلن حربًا من الداخل، لفتح "جبهة" جديدة ضد عجرفة ترامب واستخدامه للمال والسطوة لإسكات الأصوات المنتقدة له.
حضور ترامب في المسلسل مختلف عن المرات السابقة، إذ سبق أن ظهر في موسم كامل، يؤدي دوره أستاذ المدرسة السيد غاريسون، عبر تنكر بسيط، يتبنى فيه صورة مبالغة عن ترامب. لكن الآن، يستخدم صناع المسلسل صورة ترامب الحقيقية، بل يظهر أيضًا في مقطع إعلاني وهو عار تمامًا، في شكل من اِشكال السخرية السياسية التي لا نعلم إلى الآن كيف سيُردّ عليها. المفارقة، أن ترامب يظهر في المسلسل بوصفه عشيق الشيطان، بل ويتنمر عليه، ما يُذكر الشيطان بعشيق سابق له، نراه في فيلم "ساوث بارك" في العام 1999، ذاك العشيق ليس سوى صدام حسين، الذي يظهر بوصفه قاسيًا لا يفهم إلا لغة العنف، والمثير أن كلًا من ترامب وصدام يتحدثان بالصوت نفسه، في تأكيد من صناع المسلسل أننا أمام طاغية جديد.
لا تكتفي الحلقة بالسخريّة الفجة، بل هناك جانب نقديّ يتجلى في الأزمة التي تمر بها شخصية "إيرك كارتمان"، فالحرب التي شنها ترامب على "ثقافة الصحوة " و"الصوابية السياسيّة" أتاحت للجميع أن يقولوا كل ما يريدون من إساءات عنصرية وإهانات جنسية، ما هدد "كارتمان" نفسه، الذي عادة ما يُمثل هذا الصوت الخارج عن كل الأعراف، ما أدخله في أزمة وجودية، وربما هي الأزمة نفسها التي يواجهها صناع المسلسل، وتتلخص بسؤال: إن كان رأس السلطة في البلاد يتفوه بأشياء مريعة، ما الذي يمكن أن يقوله مسلسل ساتيري؟
الحرب التي أعلنها المسلسل على ترامب مختلفة عن سابقاتها، سواء كنا نتحدث عن السخرية الشديدة من "كنيسة العلمولوجيا" أو "منصات البث الرقمي"، فهذه المرة صناع المسلسل أمام خصم لا يستهان به، وتسبب بإلغاء واحد من أشهر البرامج الساخرة في الولايات، إذ يوظف ترامب القضاء ورأس المال لإجبار الأفراد والشركات الكبرى للانصياع إلى رغباته وأهوائه، حتى لو كانوا مقربين منه، إذ سبق له أن قاضى "فيسبوك"، و"تويتر"، وغيرهما من المؤسسات.
بصورة ما، يحاول صناع "ساوث بارك" الوقوف بوجه ترامب، عبر النكتة والسخرية البذيئة، داعين إلى ثقافة الصوابية السياسية، لأن غيابها فتح بابًا من العنصرية في الولايات المتحدة، لا نعلم إلى الآن أثره طويل الأمد.