أوراق ثقافية

جدل في إقامة "مهرجان جرش" وأطفال غزة يموتون جوعًا ..!

post-img

تأتي دورة هذا العام من مهرجان جرش في ظلّ تصعيد غير مسبوق في المنطقة، مع استمرار حرب الإبادة على غزّة ودخولها مرحلة جديدة من الوحشية الإسرائيلية. لكن، وبخلاف العام الماضي الذي أُثيرت فيه تحفظات كثيرة على تنظيم المهرجان والمشاركة فيه، تمرّ هذه الدورة خارج هذا النقاش. ولأن المهرجان لا يوفّر الكثير من الفرص لتقديم أنشطة تتحدّث عن غزة، افتتح الشعراء قراءاتهم خلال الأمسيات الشعرية بالحديث عن القطاع، بل خصّص بعضهم قصائد كاملة له.

لعل الناس هنا لا يحتاجون إلى مظاهر خارجية للتضامن، كما حدث في أيرلندا، إذ لم تُحمَل الكوفيات بكثافة؛ ربّما لأن القضية جزء من حياة الأردني اليومية. لكن في العمق، لا يخفى على زائر الأردن أنّ هناك شعورًا عامًا بأنّ كل شيء يبدو مرًّا، ما دام الجوع والقصف ما يزالان يحاصران الغزيين على بُعد كيلومترات معدودة. في المقابل، لم يجد الفنانون الكبار المشاركون في حفلات جرش، حتى الآن، الفرصة المناسبة لتحية غزة، إذ يصعب أن تذكر غزة ثم ترقص؛ والرقص هنا ليس رقص الطائر المذبوح، بل رقص الباحث عن النسيان ولو للحظة، لكنها محاولة لا يتفق عليها الجميع.

سؤال يتكرر في كل دورة: ألم الناس أم اكتفاء بجذب الزوار؟

الشاعرة مها العتوم، التي لم تعترض على تنظيم المهرجان في موعده العام الماضي - بخلاف شعراء آخرين - وشاركت هذا العام في إعداد برنامج المهرجان، تقول : "مهرجان جرش هو مهرجان للثقافة أولًا، والثقافة - شعرًا ونقدًا وقصة ومسرحًا - هي الرافعة الحقيقية لقضايا الوطن. وبالتالي، فإن استمرار المهرجان هو دعم حقيقي لغزة ولصمود أهلها، كما هو صمود للأردن وأهله في وجه التحديات". وتضيف: "أما الفنون الترفيهية التي تُعدّ فائضًا عن أحزان هذه المرحلة، فهي عامل جذب سياحي، ولها دور في رفد الاقتصاد الوطني. ولذلك فإن إيقاف المهرجان ليس الخطوة المثالية لدعم غزة وفلسطين، بل استغلال المهرجان لإظهار هذا الدعم وتثبيته".

من جهته، قال الشاعر العراقي عبود الجابري: "تأجيل المهرجان لا يغيّر من الواقع شيئًا؛ فالقتل والموت مستمران. القراءات الشعرية فرصة للشعراء لأن يتمثّلوا الإبادة وفواجعها. غالبية الشعراء المشاركين في الدورة الحالية عبّروا عن وقوفهم مع الشعب الفلسطيني وما يحدث من مجازر في غزة".

لم يقتصر التعبير عن التضامن مع غزة على الأمسيات الشعرية، بل امتد أيضًا إلى العروض المسرحية، كما في مسرحية 'النهر لن يفصلني عنكِ..."، التي عُرضت يومي الخميس والجمعة الماضيين، من بطولة أريج دبابنة، ونادين خوري، ومنذر خليل، ومن إخراج صالح الحوراني.

الجدل حول جرش قديم وتعقيده يتفاقم حين يلتقي الدم بالثقافة

المسرحية مقتبسة عن رواية الكاتب الأردني رمضان الرواشدة التي تحمل العنوان ذاته، وتتناول قصة حب تجمع شابًا أردنيًا من شرق النهر بفتاة فلسطينية من غربه، يستعيدان خلالها تاريخ العلاقة الأردنية الفلسطينية، عبر إضاءة مجموعة من الشخصيات التي تشاركت المصير الواحد، وناضلت ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. المخرج صالح الحوراني صرّح لـ"العربي الجديد" بأن "عرضنا المسرحي، وهو من إنتاج مهرجان جرش، خير مثال على ما يجب أن تكون عليه برامج المهرجان: "معزّزة للثقافة الوطنية الجادّة، وحاملة لخطاب الدولة الملتزم بقضية أشقاء الدم". وأضاف: "وعلى ضوء ذلك، يبرز هنا السؤال الأكبر: لمصلحة من تطالعنا أصوات تطالب بإلغاء مهرجان جرش للثقافة والفنون أو حتى تأجيله؟".

سجال قديم... وهموم متجدّدة

يعود السجال حول إقامة المهرجان إلى بداياته، وإن اختلفت حدّته بين عام وآخر؛ فقد ألغت إدارة "جرش" دورته الثانية عام 1982 بسبب الاجتياح الصهيوني للبنان، كما خُصصت دورة عام 2002 لفنانين عُرفوا بأغانيهم الوطنية تضامنًا مع انتفاضة الأقصى. وربما خفّت هذا العام حدّة الاعتراضات مقارنة بالعام الماضي، لكن يبقى السؤال الملحّ حول ما إذا كان المهرجان قادرًا على تطوير أدواته ومضمونه، في ظلّ تراجع جمهوره واهتمامه بالكمّ على حساب النوع.

يعود عبود الجابري لطرح قضية أخرى واكبت الأيام الأولى للمهرجان، والتي اتّسمت ببرمجة مكثفة للأمسيات الشعرية، حيث تعدّدت الجهات المنظّمة، وقدّمت كلٌّ منها قائمةً مختلفة من الأسماء، ما سبّب تشتتًا في توقيت الأمسيات ومواقعها، فكان الحضور أقل من المنتظر. كما أنّ هناك تفاوتًا واضحًا في مستوى القصائد المقدّمة، ما يعيد طرح التساؤل حول آلية اختيار المشاركين أنفسهم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد