محمد باقر ياسين / خاص موقع أوراق
يعاني قطاع الزراعة في لبنان مشكلات متراكمة منذ سنوات طوال، تقاسمت فيه سياسات الدولة والعدوان الإسرائيلي في تعميق جراحاته التي وصلت إلى حد وضعت هذا القطاع في غرفة العناية الفائقة. فما هو السبيل لإنقاذ هذا القطاع وتعافيه من جراحاته؟
في دراسة، نشرتها جريدة الأخبار (14 تشرين الثاني 2022)، أعدّها رئيس المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية رياض سعادة، وهي دراسة عن تطوّر الزراعة في لبنان بعنوان: «تشخيص وضع الزراعة اللبنانية في ضوء الأزمة المالية الاقتصادية الراهنة: حلول فورية ورؤية مستقبلية» يقسم سعادة في دراسته مراحل تطوّر القطاع الزراعي في لبنان إلى أربع:
1. من 1962 إلى 1966: في هذه المرحلة ازداد الناتج الزراعي اللبناني بنسبة 48%. كان ذلك في عهد الرئيس فؤاد شهاب نتيجة السياسات التي اتُّبعت في ذلك الوقت.
2. من 1967 إلى 1975: مرحلة ركود مع تفكيك بطيء لمؤسسات الدولة مع بدء الحرب الأهلية.
3. من 1975 إلى 1988: تدمير القطاع الزراعي مع تعطّل هيكلية التسويق وازدهار المحاصيل المحظورة.
4. من 1998 إلى 2021: احتضار الزراعة اللبنانية.
يمكننا في الاستناد إلى هذا التقسيم الاستنتاج بأنّ سياسات الدولة، خلال السلطات المتعاقبة، كانت هي إحدى الأسباب الذي وصل إليها واقع القطاع الزراعي في وقتنا الراهن. وفي هذا الصدد؛ يتحدث الدكتور محمود جباعي، في إحدى مقالاته عن المشكلات التي يعانيها القطاع، فيختصرها في الآتي:
1- عدم وجود استراتيجية حديثة عند الدولة لإدارة القطاع الزراعي ما أضعف الأمل بتحسين الانتاج الزراعي.
2- ضعف في التسويق بسبب غياب سياسات التشجيع على التصدير وبسبب إقفال بعض الأسواق العربية، نتيجة الضغوطات السياسية، لا سيما الأسواق السورية.
3- ضعف التمويل الزراعي بسبب النمو غير المتوازن في لبنان، وبسبب تفاقم مشكلات القطاع المصرفي بفعل الأزمة المالية الحالية.
4- قلة الأراضي الزراعية بسبب انخفاض المساحات المتاحة للزراعة بفعل الزحف العمراني العشوائي وغياب التنظيم من الجهات المختصة.
5- ارتفاع كلفة الإنتاج الزراعي بالمقارنة مع الدول المجاورة ما أضعف القدرة التنافسية للانتاج المحلي الزراعي.
6- ضعف الإرشاد الزراعي بسبب قلة وجود مراكز الأبحاث الزراعية.
7- غياب التعاونيات الزراعية التي تسهم في مد المزراعين بالمستلزمات الزراعية، وكذلك غياب التعاونيات التي تساعد المزارع في تصريف محصوله الزراعي.
8- عدم استغلال الموارد المائية بسبب ضعف الإدارة الرشيدة في هذا المجال.
كيف تدهور القطاع الزراعي وصولًا إلى الأزمة الراهنة؟
رسمت دراسة الأستاذ رياض سعادة أربعة مسارات لتدخّل القطاع العام في القطاع الزراعي موزّعة على النحو الآتي:
1. من 1967 إلى 1970: انتقال بطيء في مسلكية الإدارة العامة من عقلية «الخدمة المدنية» إلى عقلية الخدمة الذاتية، ما خلق عقبات داخل الاقتصاد الزراعي وعرقل دعم الدولة.
2. من 1970 إلى 1975: استُخدمت المناصب الإدارية الرسمية لمصالح شخصية ولتعيين أشخاص غير محترفين في مناصب حساسة، ما أدّى إلى سرقات علنية و«مشرعنة» للأموال العامة.
3. من 1975 إلى 1992: استُبدلت الميليشيات المحلية بالإدارة العامة التي لم تهتم بالزراعة، حتى تحكّمت بأسواق الجملة، فعانى المزارعون بسبب سوء تأمين المدخلات (المواد الأولية...) وتعرّضوا للاستغلال، بالإضافة إلى سيطرة مقاولين غير لبنانيين على أسواق التصدير، ما أدّى إلى تدني عائدات المزارعين.
4. من 1992 إلى 2021: لم تبدِ دولة إعادة إعمار لبنان اهتمامًا بالقطاع الزراعي إلى حدّ تجاهله؛ فيما البعض رأه غير ضروري.
5. من2021 إلى 2025: اتّسمت بشكوى من وزراء الزراعة المتعاقبين من حصّة وزارة الزراعة من مجمل الموازنة العامة للدولة التي لم تتجاوز 1%.
ماذا عن الخسائر الزراعية نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان؟
بلغت الخسائر الكلية للقطاع الزراعي في لبنان، جراء العدوان الإسرائيلي، نحو 586 مليون دولار، وفقًا لتقويم نشرته «منظمة الأغذية والزراعة» (FAO)، التابعة لـ«الأمم المتحدة». إذ إن الخسائر خلال المدة الممتدة من تشرين الأول 2023 إلى تشرين الثاني 2024، تقدّر بنحو 118 مليون دولار، وفقًا للتقويم الذي أطلقته منظمة "الفاو" بالتعاون مع وزارة الزراعة و"المجلس الوطني للبحوث العلمية".
بدوره؛ كشف وزير الزراعة نزار هاني أن العدوان الإسرائيلي أدى إلى تضرر نحو 8 آلاف هكتار بين قطاعي الزراعة والغابات، منهم 4 آلاف هكتار مخصصين للزراعة، وللأسف نحو 15 أو 20 بالمئة من هذه المساحة ضررها كبير جدًا.
في هذا المجال، لا بد من ذكر الاعتدائات الإسرائيلية المقصودة على الزراعة، وخاصةً الزيتون والتبغ وغيرها من المحاصيل والأشجار الحرجية المعمرة، والذي عمد العدو إلى تلفها إما حرقًا بواسطة القنابل الحارقة أو جرفًا بواسطة جرافاته ودباباته. كما يواصل العدو اعتداءاته على المزارعين في الجنوب بالقائه القنابل الصوتية أو إطلاق الرشقات النارية وغيرها من الأساليب بهدف منع الجنوبيين من العودة إلى أراضيهم وزرعها من جديد.
ما هي الحلول التي يجب على الدولة اتباعها؟
بحسب الدكتور محمود جباعي على الدولة أن تقوم بالآتي:
1-منع تفتيت الأراضي الزراعية الى أحجام دون الحد الأدنى.
2- إعادة ضم الحيازات الزراعية الصغيرة إلى بعضها البعض.
3- تشجيع الشباب على الانخراط في العمل الزراعي من خلال اعطائهم قروضًا ميسرة لآجال طويلة وفوائد قليلة.
4- تطوير مراكز البحوث والإنماء الزراعي لتدريب العاملين في الزراعة على الأساليب الحديثة وكيفية دراسة طبيعة التربة.
5- إنشاء بنك تمويل زراعي يقدم قروضا ميسرة للاستثمار في القطاع الزراعي.
6- شق الطرقات وانشاء شبكات ري حديثة.
7- إدخال نظام مكننة حديث لتطوير عمل المزارعين.
8- وضع خطة بنيوية حديثة تعتمد على الاقتصاد الرقمي لتطوير العمل الزراعي.
9- اعتماد سياسة التشجيع على التصدير من خلال:
- إقامة حملات دعائية للانتاج المحلي الزراعي.
- التأمين على الصادرات لضمان حقوق المزارعين المصدرين.
- إلغاء الرسوم الجمركية عن السلع الزراعية المصدرة.
ختامًا، على الرغم من تحسن أداء وزراء الزراعة المتعاقبين؛ على الوزارة العمل على وضع سياسة تنفيذية خاصة للقطاع الزراعي؛ فالقطاع بحاجة إلى سياسة حكومية جامعة لا يتحمّل الوزير وحده إقرارها. وهذه السياسة يجب أن تكون مبنية على استراتيجية طويلة الأمد تأخذ بالحسبان الظروف الطبيعية واليد العاملة وسبل التصريف، راجين أن يعود لبنان إلى التوازن بين قطاعاته كافة لكي ينهض الاقتصاد من جديد.