أوراق ثقافية

ذاكرة الإبداع الفلسطيني تتحدى المحو في معرض الرباط الدولي للكتاب

post-img

حضرت فلسطين بقوة القضية العادلة والنبض الصادق للمثقفين المغاربة، وأيضا، من خلال برمجة وزارة الثقافة لندوة عن «الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو»، ضمن فعاليات الدورة 30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، شارك فيها كل من الشاعر محمد بنيس والمفكر عبد الإله بلقزيز، أما التسيير فقد أشرف عليه الشاعر ياسين عدنان.

في تعريفه لمحور اللقاء، أكد المنظمون أن الندوة تسعى إلى إبراز مظاهر حيوية للإبداع الفلسطيني، وما أنتجه وينتجه الكتاب والفنانون الفلسطينيون من أعمال في سياق الاحتلال، وما يعبرون عنه من إرادة القوة على الحياة ومواجهة سياسات المحو. كما أبرزوا أن النخب الفلسطينية لم تتوقف عن الكتابة والإبداع والتعبير عما يعيشه الشعب الفلسطيني من تراجيديا منذ نكبة 1948 إلى اليوم، والذي أنجب شعراء وروائيين وسينمائيين ورسامين كبارا، شكلوا علامات مضيئة في مسار الثقافة العربية المعاصرة، ومنحوا لثقافة المقاومة أدوات تفكير وتعبير تتجدد بتجدد أساليب التوحش والإلغاء، التي تعتمدها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

أدار اللقاء الشاعر ياسين عدنان، افتتح مشاركته في المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، بندوة عن غزة رفقة الشاعر عبد اللطيف اللعبي، واختتمها بندوة عن فلسطين مع الشاعر محمد بنيس والمفكر عبد الإله بلقزيز. وفي رأيه «الندوتان معا، السابقة واللاحقة، دليل على أن الهوى الفلسطيني للمغاربة مدعوم بالشعر والفكر والوجدان». وذكر عدنان في تقديمه للقاء، أن الحديث عن فلسطين هو حديث «بوجدان مغربي عام، بوصف فلسطين قضية وطنية، نافح عنها المغاربة بوصفها قضية وطنية أولا، ثم قضية قومية»، وتساءل «هل للإبداع تأثير في هذا الهجوم الكبير ليس فقط للجيش الإسرائيلي، بل للسردية الصهيونية المسنودة بالإعلام الغربي المتوحش، والبرمجة الدولية التي تحرص على ألا يتسرب الصوت الفلسطيني ولو كان خافتا».

استشهد في هذا السياق بـ»حادثة معرض فرانكفورت للكتاب»، حين جرى «رفض تسليم جائزة لكاتبة فلسطينية استحقتها، وكذلك معركة (سوق الشعر) في باريس التي خاضها الشاعر عبد اللطيف اللعبي، للالتزام بوعد استضافة فلسطين وشعرائها ضيف شرف؟». من جهته خصص الشاعر محمد بنيس، مداخلته لـ»فلسطين ذاكرة المقاومات»، مؤكدا أن «أكبر مكسب حققه الأدب الفلسطيني والإبداع الفلسطيني بصفة عامة هو الهوية الفلسطينية، لأن أكبر مشكل عاشه الفلسطينيون منذ ظهور الفكرة الصهيونية بداية القرن العشرين، أن فلسطين كانت جزءا من الدولة العثمانية، والنخبة الفلسطينية عدت هذه الدولة المصدر الوحيد لمواجهة الصهيونية والدفاع عن الأرض، ومن نماذج ذلك روحي الخالدي المثقف الكبير الذي كان من النخبة العالية الفلسطينية بحكم معرفته باللغة الفرنسية والأدب الفرنسي ومكانته في الدولة العثمانية، والمؤسسة التشريعية الفلسطينية».

في رأي بنيس، دور الأدب جاء هنا «فقد كانت الرواية من أبرز الأنواع التي أبرزت الهوية الفلسطينية، ثم جاءت الفنون التشكيلية، والسينما»، ولم يبخس الشاعر المغربي الجيل الجديد من المبدعين الفلسطينيين حقه، مبرزا أنه «أدى هذا الدور قبل النكسة مباشرة»، واستعرض أسماء محمود درويش، فدوى طوقان، سميح القاسم، إميل حبيبي، غسان كنفاني الذي وصفه بـ»الرجل العظيم»، وجبرا إبراهيم جبرا، وغيرهم. وبالنسبة له فإن «أعمالهم حية بيننا إلى اليوم، ولا أسميها إرثا».

كما تحدث الشاعر عن «الاختراق الذي قام به الفلسطينيون على المستوى العالمي، عبر المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر»، حيث أصبح اسم فلسطين حاضرا في العالم، بعدما كان يُتصوّر حذف اسمها نهائيا، في (شركات رقمية كبرى) وفي السياسة الإسرائيلية، وسياسة المتحالفين والمتواطئين. وأضاف بنيس: «لتكن لنا جرأة طرح سؤال: إلى أي حد يمكن لهذه الإبداعية الفلسطينية أن تستمر بالحيوية التي كانت لها ولو بشكل مغاير، لأن الزمن غير الزمن؟ وكيف يمكن لنا في العالم العربي وغيره الانتباه للإبداعية الفلسطينية في علاقة بالقضية لفهمها والتعاطف معها أكثر والوقوف إلى جانب المقاومة لتكون كلمتنا أبعد مما نتخيل؟». أما المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز فقد كان أكثر تحديدا وهو يتطرق إلى عروبة فلسطين وكونها «الأساس الصلب لوجودها»، وهي «الرد القوي على المشروع الصهيوني الذي يتساءل عن وجود كيان اسمه فلسطين».

في رأي الأكاديمي المغربي: «إذا كانت السياسات العربية قد خانت عروبة فلسطين، فإن الثقافة العربية ما تزال متمسكة بعروبة فلسطين»، لذلك فهي «حاضرة في الإنتاج الثقافي العربي بجميع مكوناته، وحضورها تعبير عن انتمائها الأصيل إلى هذه المنظومة المرجعية التي هي الثقافة العربية». ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على «الجرائم الصهيونية» يقول بلقزيز، التي «تتناسل كالفطريات»، ورغم «العمليات الوحشية والإبادة الجماعية»، لم يستطع المشروع الصهيوني أن ينعم بالاستقرار في مواجهة الشعب الفلسطيني. ووفق بلقزيز فإن «الثقافة الفلسطينية كانت وما زالت مرجعية للثقافة العربية بكوكبة من الفنانين والمبدعين، مثل الموسيقيين أوغسطين لاما وصبري الشريف، وحليم الرومي، سليم سحاب، وكوكبة من السينمائيين والتشكيليين، وصولا إلى الكاريكاتير مع ناجي العلي، وكوكبة من الأدباء والمفكرين هم مرجعية في الثقافة العربية، التي نسجت على منوالهم». وبالنسبة للأكاديمي المغربي فـ»كما كانت نكبة سنة 1948 مهمازا للإيقاظ من سبات سادر، عشنا إثره مسلسلا من التحولات الكبرى التي أنتجت حركات التحرر والحركة القومية واليسار، فقد أنتجت (7 تشرين الأول/ أكتوبر) في الغرب هذه التحولات الكبرى».

ختم المفكر بلقزيز مداخلته بالإشارة إلى أن «فلسطين نجحت في تحويل قضيتها من قضية وطنية للشعب الفلسطيني، وقضية عربية للمنطقة العربية، إلى قضية إنسانية للإنسانية جمعاء، كما أن الأدب الفلسطيني نجح في تكريس نفسه بما هو أدب عالمي»، مشيرا إلى قضية فلسطين تتحول إلى سؤال إنساني، به يتحدد من يؤمن بالإنسان».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد