أوراق اجتماعية

بين السياسات الخارجية والدولة العميقة.. ترامب يقود "مغامرة الخراب"

post-img

 سارة عليان (العهد)

يبدو أن تداعيات قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية اتخذت أبعادًا كبيرة جدًا، لم تقف عند حدود الميدان الاقتصادي والسياسات الخارجية والعلاقات الاستراتيجية، لقد امتدّت أيضًا إلى داخل المجتمع الأميركي لتطال بذلك مفهوم "الدولة العميقة"، وما يرتبط به من أسس ومبادئ يسعى ترامب، بمن يمثل من الإدارة الأميركية، إلى ترسيخ الشرخ القائم بين أقطابها عبر محاولة تكريس مفاهيمه الخاصة المرتبطة بـ لوبي "الأمركة".

بدايةً؛ على صعيد العلاقات الخارجية والاستراتيجية، وقبل الخوض في الحديث عن مفهوم الدولة العميقة، لا بد من الالتفات إلى أهمية تداعيات القرارات الجمركية الأميركية على منصب "الزعامة" العالمي الذي سخّرته أميركا لنفسها. إذ يشير الكاتب الدكتور ميخائيل عوض، في هذا السياق، أن زعامة أميركا للعالم ارتبطت أساسًا بطبيعتها العدوانية وبقوتها الاقتصادية، وخاصةً في تحوّل الدولار إلى عملة الاحتياطات والتبادلات العالمية، فضلًا عن قوتها العسكرية؛ أما اليوم؛ فنحن نشهد انهيار العناصر كلها التي جعلتها مهيمنةً متحكمةً بالعالم وتوازناته، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وتفردها في إدارة النظام العالمي.

وفقًا للدكتور عوض، تستهدف قرارات ترامب وإجراءاته إعادة هيكلة أميركا وتوازنها واقتصادها، وهو يسعى للسيطرة على الدَّين لمنع الانهيار والإفلاس، ما سيؤثر كثيرًا على الدول المتحالفة معها، لاسيما التي اعتمدت في اقتصادياتها على التبادل التجاري مع أميركا بكل أشكاله، وسيتأثر دورها الأمني وهيمنتها والعديد من تحالفاتها ستنهار، وستسعى الدول التابعة لها إلى التحرر والبحث عن مصالحها.

هذا الأمر سينسحب، أيضًا، على قرارات الدول المعتمدة على الواردات الأميركية في مجال التسلّح العسكري. إذ يوضح الكاتب أن هذه الدول ستسعى إلى إيجاد بدائل أفضل وأرخص وأكثر تطورًا؛ لاسيما بعد هزيمة أميركا في أفغانستان و"إسرائيل" في غزة ولبنان والأساطيل الأميركية في اليمن.

في سياق متصل، تتجه الأنظار هنا الى حليف الولايات المتحدة الأميركية الأقرب، وهو الاتحاد الأوروبي الذي تلقى أعضاؤه لكمة استراتيجية موجعة من حليفهم الأقرب. إذ تبيّن من خلالها – والرأي للكاتب-  أن ترامب يرى الاتحاد الأوروبي والأطلسي مؤسسات معادية لأميركا، ويتهمها بأنها من تسبب بإفقارها و"امتصت دمها" وتكلّفت عليها وعلى حمايتها وتأمينها، وأن الرؤية المتوقعة للعلاقات المستقبلية بين الطرفين مرهونة أولّا بمدى تمكّن ترامب من أميركا، حينها ستتحول هذه العلاقات إمّا إلى العدائية أو إلى الاستسلام لأوامر ترامب ومشيئته ورؤيته للمصلحة الأميركية قبل أي شيء آخر.

من العلاقات الاستراتيجية والموازين الخارجية إلى الواقع الأميركي الداخلي، والعودة هنا إلى التداعيات المرتبطة بمفهوم "الدولة العميقة"؛ لا بد من الإشارة في بادئ الأمر إلى أنه مع تعدد التفسيرات الممنوحة لهذا المصطلح المجازيّ، إلا أن جميعها يدلّ على مصالح تحتية مختبئة بين ثنايا النظام المؤسساتي السياسي، يديرها منتفعون لهم شغل شاغل في بقاء أهدافهم بعيدة عن الأعين، مع قدرتهم على تسخير الحكومة الظاهرة لخدمة وإدراك ما يتطلعون إليه، عبر التواطؤ والمحسوبية، وغالبًا تعطي الدولة الأميركية العميقة المثل الواضح لكل تلك الجماعات في العالم.

في هذا الإطار، يرى الدكتور عوض أن المعطيات تفيد بوجود انقسامٍ حاد في الدولة العميقة الأميركية، بين لوبي العولمة والحروب ولوبي الأمركة الذي يقوده ترامب. إذ يزعم هذا الأخير تدمير نظام العولمة، والسعي إلى وقف الحروب والاهتمام بأميركا أولًا، وترميم بنيتها التحتية واستعادة قوتها الاقتصادية التقليدية، وخاصة الصناعية والذكاء الصناعي والإبداع، وأن  حاصل الأمور مرتبط بنتائج الحرب الجارية ين لوبي الامركة ولوبي العولمة ودولته العميقة.

الدولة العميقة، بصفتها جزءًا من الصراع الداخلي المبطّن القائم في أميركا، كانت قد اتّهمت سابقًا بمحاولاتها المستمرة لإقصاء الرئيس الأميركي الحالي من الانتخابات الرئاسية. والبعض يروّج لسعيها للتخلّص منه، لا سيما وأن هذه الفكرة كثر تناولها بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية في العام 2020، والأحاديث التي جرت عن دور تلك "الدولة" غير الظاهرة للعيان في إقصائه بعيدًا. ويضاف إلى هذا السيناريو ما سمّي بمحاولة اغتيال ترامب مؤخرًا عقب إلقائه خطابًا في إحدى التجمعات الانتخابية التي كان يقودها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد