غسان ريفي (سفير الشمال)
شكلت الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الشمال وعكار فرصة سانحة لكل التيارات السياسية لإثبات حضورها وتأكيد بعضها أن التغييرات السياسية التي شهدها لبنان لا سيما بعد العدوان الاسرائيلي عليه ساهمت في رفع شأنها وتعزيز قوتها وتمدد نفوذها وشعبيتها، فيما البعض الآخر كان يجهد ليؤكد أن خروجه من السلطة لم ينعكس عليه سلبا ولم يؤثر على شعبيته وحضوره.
هذا السلوك بدأ من إنتخابات جبل لبنان وانسحب على محافطة الشمال وعكار، حيث اعتمدت التيارات السياسية إستراتيجيات عدة، أبرزها:
أولا: التوافق في البلدات الكبرى التي يخشى كل من هذه التيارات خسارتها مثل مدينة البترون التي شهدت ائتلافا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب وتيار المردة، ومثل بلدة القبيات في عكار التي جمعت القوات والتيار والنائب السابق هادي حبيش ورئيس البلدية عبدو عبدو، وغيرها من البلدات الحساسة.
ثانيا: عدم الإعلان عن دعم اللوائح بشكل علني والحفاظ على السرية التامة، وذلك خوفا من خسارة يمكن أن تلحق بأي من هذه التيارات، على قاعدة “تفوز نستثمر بفوزك سياسيا وإذا خسرت تخسر وحدك”، لذلك فإن الحديث عن دعم اللوائح بقي طي الكتمان الى أن بدأت تظهر معالم النتائج الأولية حيث بدأت هذه التيارات تتبنى الفائزين الواحد تلو الآخر من أعضاء المجلس البلدي الى المخاتير.
ثالثا: اعتماد القاعدة الميكافيلية: “الغاية تبرر الوسيلة” في قضاء الكورة والتي ترجمتها القوات اللبنانية بتحالفها مع قسم من الحزب السوري القومي الاجتماعي (فرع النائبان السابقان سليم سعادة وأسعد حردان)، وتوافق التيار الوطني الحر مع تيار المردة والنائب المستقل أديب عبدالمسيح والحزب القومي والحزب الشيوعي لمواجهة القوات، وقد انتقلت المعارك بهذه الاصطفافات السياسية من بلدة الى بلدة كورانية.
رابعا: الإعلان عن الدعم المطلق للائحة طالما أن الفوز بمتناول اليد، مثال لائحة القوات في بشري التي حاولت النائب ستريدا جعجع التأكيد بأن أحدا لا يستطيع أن يواجهها في إشارة الى النائب وليام طوق، ولائحة الجمهورية القوية في أنفه، ولائحة المردة في زغرتا المدينة.
ولم يختلف سلوك النواب السنة عن سائر التيارات السياسية، فكل منهم خاض الانتخابات بهدف إظهار شعبيته تمهيدا للاستعدادات التي يفترض أن تنطلق بعد انتهاء هذا الاستحقاق للانتخابات النيابية المقبلة، وقليل منهم جاهر بدعمه اللوائح في حين آثر نواب طرابلس المباركة والدعم المعنوي الذي لم يسمن ولم يغن من أصوات.
ففي الضنية خاص النائب جهاد الصمد معركة قاسية في وجه النائب عبدالعزيز الصمد في بخعون تداخل فيها العائلي بالسياسي، وفي سير أعاد النائبان أحمد وسامي فتفت الكرّة بتشكيل لائحة في وجه العائلات بعد خسارتين منيا بها في عاميّ 2010 و2016، وفي السفيرة كانت أم المعارك بين لائحة يدعمها النائب السابق أسعد هرموش وبين لائحة يدعمها بلال هرموش الذي خاض الانتخابات النيابية في العام 2022 على لائحة النائب أشرف ريفي، أما سائر البلدات الضناوية فخاضت معارك عائلية بامتياز.
وشهدت المنية معركة طاحنة بين لائحة مدعومة من النائب أحمد الخير الى جانب بعض العائلات الكبيرة، ولائحة مدعومة من النائب السابق عثمان علم الدين والحاج كمال الخير والعائلات الصغيرة، وكانت اللائحة المدعومة من الخير فازت في بلدة بحنين.
وفي عكار، خاض النائب وليد البعريني أم المعارك في فنيدق التي أعادت الى الأذهان معركة الإفتاء التي أدت الى انقسامها بين مؤيد للمفتي زيد بكار زكريا ومعارض له، ويدعم البعريني لائحة بوجه رئيس اتحاد البلديات منسق تيار المستقبل عبدالاله زكريا.
وفي حلبا عاصمة المحافظة، اصطفت السياسية والعائلات خلف عائلة الحلبي المنقسمة بين العم وإبن الأخ في معركة باتت تقليدية تشهدها المدينة في كل استحقاق، أما في القبيات فحل التوافق من دون تزكية بعد تمرد عدد من الموالين للتيار وللنائب هادي حبيش عليه وآثروا خوض معركة بوجهه، وكذلك انتشرت المعارك في عندقت وبرقايل وجبرايل وتكريت وغيرها من القرى حيث تداخل فيها السياسي بالعائلي، بانتظار إعلان النتائج حيث ينتظر أن تتبنى التيارات السياسية الفائزين.
ولعل أفضل ما في انتخابات عكار، هو إحلال التوافق والتزكية في القرى والبلدات التسع في وادي خالد وذلك بجهود العشائر والنائبين محمد يحيى ومحمد سليمان.
أما في طرابلس التي شهدت تنافسا بين ست لوائح بدعم سياسي صوري لإثنين منها هما: “رؤية طرابلس” التي حازت على مباركة النواب أشرف ريفي وفيصل كرامي وطه ناجي وكريم كبارة، ونسيج طرابلس التي حظيت بدعم النائب إيهاب مطر، فيما تحالفت الجماعة الإسلامية واتحاد الشباب الوطني مع حراس المدينة في لائحة لطرابلس ونهضتها، إضافة الى ثلاث لوائح تمثل المجتمع المدني هي: “طرابلس عاصمة” برئاسة أحمد مصطفى ذوق، و”سوا لإنقاذ طرابلس” برئاسة محمد المجذوب، و”للفيحاء” برئاسة سامر دبليز، ويبدو واضحا من النتائج الأولية أن التركيز في التصويت كان على لائحتيّ رؤية ونسيج وتأتي الحراس في المرتبة الثالثة.
واللافت الى درجة الاستغراب، كان تدني نسبة التصويت بشكل كبير لتقفل صناديق الاقتراع على 24% لكل قضاء طرابلس أي إضافة الى الميناء والقلمون والبداوي، وبالتالي إذا أخذنا طرابلس بمفردها فإن نسبة التصويت لا تتعدى العشرين بالمئة، وذلك لعدة أسباب أولها إحباط الطرابلسيين وفقدانهم الثقة بالبلدية بعد السنوات التسع العجاف التي مرّت على المدينة، وثانيها، الانزعاج من الفلتان في الترشح وتشكيل ست لوائح ما يعكس أنانية وشهوة للسلطة بدل الائتلاف في لائحة تضم خيرة الكفاءات للوصول الى مجلس بلدي منتج وفاعل، وثالثها، الانزعاج من تعاطي النواب مع اللائحتين لجهة عدم ترجمة هذا الدعم خصوصا على صعيد إيجاد الماكينات الانتخابية التي وحدها قادرة على دفع المواطنين الى ممارسة حقهم الانتخابي، فضلا عن غياب العنوان السياسي للمعركة والانقسام والتحدي والتحريض الذي يحرك الغرائز ويساهم في كثافة المقترعين.
كل هذه العناصر مجتمعة أدت الى تدني مستوى الاقتراع، أما الطامة الكبرى فكانت بعد إقفال الصناديق، حيث ظهرت سريعا نتائج المخاتير أما نتائج البلدية فلم يحصل أي مرشح أو وسيلة إعلامية على أي نتيجة، ما يؤكد أن كل الدعم النيابي للائحتين لم يترجم على أرض الواقع، وخصوصا على صعيد الماكينات..