غسان ريفي (سفير الشمال)
جمعت بيروت الأضداد في السياسة في لائحة واحدة “بيروت بتجمعنا” لخوض الانتخابات لإختيار مجلسها البلدي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في كيفية تأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وإجتهد الجميع في إيجاد المبررات لهذا التحالف وإعطائه الشرعية الوطنية كونه يهدف الى الحفاظ على العيش المشترك في العاصمة اللبنانية ويقطع الطريق أمام المصطادين بالماء العكر سواء بإثارة النعرات أو بالمطالبة بتقسيم بيروت الى بلديتين مسيحية وإسلامية كتمهيد للفيدرالية التي ترفضها معظم المكونات اللبنانية.
تلاقى التيار الوطني الحر مع القوات والكتائب والطاشناق، وتحالفَ الرباعي المسيحي مع الثنائي الشيعي، الى جانب الأحباش والنائب فؤاد المخزومي واتحاد العائلات البيروتية، لكن هذا الاجتماع غير المسبوق لم يعط الناخبين البيارتة أي حافز للمشاركة في الانتخابات لإعادة تكوين السلطة المحلية في العاصمة، فاقتصرت المشاركة على ما نسبته 21 بالمئة، في ما يشبه ردة الفعل الشعبية بشكل سلبي على هذا التحالف الغريب الذي لم يشهده لبنان منذ التحالف الرباعي في الانتخابات النيابية في العام 2005.
وبالرغم من أن النسبة التي سجلتها انتخابات بيروت هي أكبر من النسبة التي سُجلت في انتخابات العام 2016 (20.14 بالمئة) إلا أنها أعطت مؤشرات غير مريحة، خصوصا أن هناك تسع سنوات تفصل الناخبين عن ممارسة حقهم في الاقتراع والاختيار، فضلا عن تنافس ست لوائح من شرائح ومكونات مختلفة كان يفترض بها أن تدفع الناس الى المشاركة الفاعلة ترجمة لهذا التنافس الذي بلغ ذروته بين اللوائح عشية الانتخابات.
وفي قراءة سريعة لحصيلة اليوم الانتخابي الطويل في بيروت، شكلت السياسة حجر الأساس في العملية الانتخابية، حيث كان التنافس على أشده بين لائحة السلطة المدعومة من الأحزاب والتيارات السياسية المتناقضة والمتخاصمة، وبين لائحة بيروت مدينتي المدعومة أيضا بالسياسة من نواب التغيير المنقسمين على بعضهم، والذين ما يزالون يعتبرون أنفسهم ناشطين من المجتمع المدني في ساحات الثورة، بينما هم يمثلون جهات سياسية ممثلة في مجلس النواب، وبالتالي لا يختلفون كثيرا عن الأحزاب والتيارات الداعمة للائحة “بيروت بتجمعنا”، وكذلك الأمر بالنسبة للائحة “بيروت بتحبك” المدعومة أيضا من جهات سياسية متمثلة بالجماعة الإسلامية والنائب نبيل بدر ومن بعض جمهور تيار المستقبل الذي عبر عن رأيه بدعم العميد محمود الجمل لما لديه من حضور في الطريق الجديدة وضمن العائلات السنية.
أما لوائح المجتمع المدني الحقيقية فانقسمت على بعضها في ثلاث لوائح وواجهت حربا من نواب التغيير انطلاقا من “عداوة الكار” كونهم يحاولون احتكار المجتمع المدني لأنفسهم، وقد أظهرت الحركة الانتخابية في بيروت ضعف حضور تلك اللوائح ما أدى الى إستبعادها عن المنافسة.
لا شك في أن الخوف الأساسي في لائحة “بيروت بتجمعنا” كان من الصوت السني، خصوصا بعدما عبر ناشطون سنة عن توجههم للاقتراع لـ24 سنيا في المجلس البلدي ورفضهم حصول المسيحيين على المناصفة إلا وفقا لتمثيلهم الشعبي، ما أوحى أن أصواتهم قد تتوزع بين “بيروت بتجمعنا” و”بيروت بتحبك”، في ظل عجز لدى النائب فؤاد مخزومي عن التجيير، وترك الأمر للأحباش بمفردهم، فكان اللجوء الى الثنائي الشيعي الذي يبدو أن القرار الذي أصدره لمناصريه بضرورة التصويت للائحة بكاملها قد غطى على عمليات التشطيب وعطل مفاعليها، ومن شأنه أن يحافظ على المناصفة، وهو أمر يُسجل للثنائي حزب الله وأمل ويشكل عملية تسليف سياسية للقوات والتيار والكتائب على حد سواء، ويؤكد من جهة ثانية أن البيئة الشيعية ورغم كل ما تتعرض له ما تزال ملتزمة بتوجهات الثنائي بشكل كامل.
حتى ساعات متأخرة من الليل، كانت أعمال الفرز طالت 30 بالمئة من أقلام الاقتراع وهي أظهرت تقدما للائحة “بيروت بتجمعنا”، في حين أشارت الماكينة الانتخابية للائحة “بيروت بتحبك” أن تلك الأقلام تعود الى المسيحيين والشيعة، مؤكدة أن الأصوات السنية التي تشكل نحو 65 بالمئة من مجموع الأصوات من شأنها أن تفرمل هذا التقدم.