صحيفة "الأخبار"
لا يقتصر الإنجاز في مدينة زحلة على فوز "القوات اللبنانية" بمفردها، بل بفضحها عمق الأزمة التي يعيشها خصومها. ففي مقابل حصول الفائز الأول على 14369 صوتًا بلا حلفاء، نال الفائز الأول في اللائحة الخاسرة 8516 صوتًا، بينهم ما لا يقل عن 4 آلاف صوت من "الثنائي الشيعي" والناخبين السنّة في المدينة.
ليتبيّن أن الأصوات الـ 4 آلاف المتبقية، هي نتاج تحالف ثمانية أفرقاء هم رئيس البلدية السابق أسعد زغيب (21 سنة رئيس بلدية و7 سنوات عضو مجلس بلدي)، والنائب ميشال ضاهر، وحزبا الكتائب والوطنيين الأحرار، ورئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، والنائب السابق سيزار معلوف، والنائب السابق نقولا فتوش، ووزير الدفاع السابق خليل الهراوي.
بمعنى أن تلك الشخصيات والأحزاب الزحلية التي تقدّم نفسها على أنها تُشكل ثقلًا في المدينة يصعب القفز فوقه، إمّا خسرت مؤيديها لصالح "القوات" التي زادت شعبيتها عن الانتخابات النيابية الأخيرة نحو 3 آلاف صوت، وإمّا أنها لم تقم بأي مجهود لحشد مناصريها، وتحاشت تفعيل الماكينة الانتخابية، ولا سيما أنه لم يُرصد يوم الأحد سوى ماكينة زغيب وضاهر. والأرجح هو مزيج من الاثنين.
وهو ما قاد هذا الفريق إلى الخسارة المدوّية، وإلى فشل استثنائي لرئيس اللائحة أسعد زغيب، الذي حلّ في المرتبة ما قبل الأخيرة بالتراتبية (7886 صوتًا)، ما يؤشر إلى سعي الناخبين إلى الاقتصاص منه، ولا سيما بعض من ناخبي التيار الوطني الحر الذين تعمّدوا تشطيبه. مع العلم أن قرار قيادة التيار ترك حرية الاختيار للناخبين حصل بعد إقفال كلّ أبواب الحوار والتفاهم مع زغيب، وبعد شهرين من المفاوضات لتأليف لائحة ثلاثية ثمّ خماسية، لينتهي الأمر عند تحالف القوى المناهضة لـ"القوات" من دون التيار.
بدأت القصّة في آذار الماضي عندما قرّر النائب السابق سيزار معلوف ترشيح قريبه وليد الشويري إلى الانتخابات البلدية، منطلقًا من حضوره في المدينة وإمكاناته المالية الكبيرة.
ما كاد يعلن الأمر حتّى أعلنت الكتلة تبنيها له على مضض، الأمر الذي دفع التيار إلى التصرف بإيجابية تجاه هذا الترشيح والانضمام إلى الحلف قبل أن تبلّغهما سكاف خلال اجتماع جمعها بمعلوف والنائب جبران باسيل بأنها تتفاوض مع "القوات".
غضب معلوف مما أسماه "التفاوض على ظهرنا"، ونشر تعليقًا على "أكس"، أعلن فيه وقوفه على الحياد في زحلة، حتّى قبل أن تتفق سكاف رسميًا مع "القوات". هكذا بدأ مسار الانحدار وكان أول إنذار باقتراب فرط التحالف والفشل. لم يطل حياد معلوف الواقع ما بين لائحة "القوات" وسكاف من جهة، والضاهر المُصر على زغيب من جهة أخرى.
واقترح معلوف علاجًا للمشكلة، من خلال تشكيل لائحة خاصة قوامها 6 أعضاء محسوبين على سكاف في لائحة "القوات" و15 عضوًا في لائحة زغيب، على أن يتم إقصاء زغيب ومرشحي "القوات".
ولمّا حاول الثنائي والتيار التفاوض على هذا الخيار، عاد المعلوف ليصدر بيانًا يدعم فيه زغيب، ما أدّى إلى دعم الثنائي أيضًا لزغيب في وجه "القوات"، لعدم جدية الأفرقاء الآخرين، ولاتفاقه معه على لائحة مطالب إنمائية. وبدا واضحًا أن المعلوف وسكاف يتسابقان على"تخريب" الحلول، وظهرت سكاف على أنها بارعة في تحقيق الخلافات، ما جعل التيار والثنائي يدركان أن إستراتيجيتهما معها تُبنى على الاستفادة من خلافاتها لاجتذابها.
وتقول مصادر "القوات" إنها تيقّنت خلال التفاوض مع سكاف، أنها لا تملك بقدر ما تدّعي، ما سهّل على "القوات" تركها بعد الاختلاف على اختيار الأعضاء. ولمّا عاد التيار ومعلوف إلى طاولة التفاوض مع رئيسة الكتلة الشعبية، واتفقوا على العمل كفريق، أخلّت مجددًا بالوعد وذهبت بمفردها إلى زغيب تحت عنوان "إلحاق الهزيمة بالقوات"، وسط معارضة باسيل لذلك مؤكدًا أن هذا الأمر سيزيد من شعبية "القوات" ويمنحها تعاطفًا شعبيًا.
ولأن التيار أدرك منذ اللحظة الأولى أن حجمه لا يسمح له بخوض معركة، وأن أي ربح لا يمكن تحقيقه إلا بتحالف متين بين عدة أفرقاء، رفض السير بدعم زغيب الذي حارب العونيين طوال مدة ولايته، كما رفض منحهم أي تمثيل في اللائحة أو الاعتراف بحلفه معهم، متذرّعًا بأن الإقرار بحلفه مع حزب الله أو التيار يخسّره، لكنّه وافق على منح الكتائب منصب نائب الرئيس و4 أعضاء.
وبينما قرّر "الثنائي" التوافق مع زغيب على بعض العناوين الإنمائية، رأى باسيل أن تصرف زغيب ينمّ عن "عنجهية" ويهدف إلى الابتزاز، ما دفع التيار الوطني الحر إلى إصدار بيانه قبل يوم من الانتخابات، تاركًا الخيار للناخبين من دون تشغيل أي ماكينة، ما أدّى أولًا، إلى عدم توجّه العونيين من بيروت إلى زحلة.
ويظهر فارق الأصوات بين زغيب وباقي الأعضاء، أن نحو 600 عوني اقترعوا للائحة "قرار ورؤيا" وشطبوا اسم زغيب بعكس ما تمّ الترويج له بأن العونيين انتخبوا لائحة "القوات".
وفي ظل انكفاء داعمي اللائحة عن الحشد وتشغيل ماكيناتهم تحاشيًا لصرف الأموال ومن منطلق عدم اقتناعهم بالتوافق الهشّ، إضافة إلى الآراء السلبية الكثيرة تجاه أداء زغيب في المدينة وطباعه، فاق سقوط اللائحة كلّ الاستطلاعات والتوقّعات؛ إذ لم يحصل أن اقتصر عدد ناخبي قوى وشخصيات مخضرمة سياسيًا ومتمكّنة ماليًا وخدماتيًا وسياسيًا على 600 صوت فقط لكل فريق منها. وهو ما يكشف عن خلل كبير عند جميع القوى المناوئة للقوات في الانتخابات النيابية المقبلة.