اوراق خاصة

انتخابات الجنوب.. التزام مطلق بنهج المقاومة

post-img

حسين كوراني/ خاص موقع أوراق

توهم لبعض اللبنانيين من أعداء المقاومة ولأسيادهم من الأميركيين والسعوديين أن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية والتي مُدّدت لثلاث سنوات متتالية سيشكل فرصة لن تفوّت بالنسبة لهم، كي يؤكدوا للجميع أن بيئة المقاومة وشعبيتها تراجعت كثيرًا بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وما أنتجته من خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات وتفاصيل الحياة اليومية وصولاً الى التدمير الكامل الذي طال العديد من القرى الأمامية.

لكن آمالهم خيّبت، إذ حسم جمهور المقاومة في الجنوب والنبطية وفي البلدات والقرى ذات الغالبية الشيعية من البقاع الى جبل لبنان موقفه في صناديق الاقتراع لمصلحة اللوائح المنافسة من العائلات والمجتمع المدني، إذ أظهرت النتائج فوز "الثنائي الشيعي" في كل البلديات بدون استثناء، وهذه كانت رسالة واضحة الى الداخل اللبناني والخارج والى الخصوم والحلفاء بأن الالتزام بنهج المقاومة غير قابل للنقاش، وهو يزداد صلابة وصمودًا كلما ازدادت التضحيات والاستحقاقات الوطنية.

هذا الفوز الذي حققه الثنائي في الانتخابات، صادف عيد المقاومة والتحرير في الخامس والعشرين من أيار، فكان هدية وعربون وفاء وثقة شعبية مطلقة لها، وتأكيد على أن الظروف السياسية والأمنية الضاغطة والحصار المفروض على بيئة المقاومة، لن يزيدها إلا ثباتًا وإصرارًا وتمسكًا بهذا النهج الذي حرر البلاد والعباد في العام 2000 من رجس الاحتلال الإسرائيلي، وانتصر في عدوان تموز 2006، وصمد أمام الحرب الكونية التي شنت عليه خلال حرب إسناد غزة، وأفشل أهداف العدو الإسرائيلي الذي أراد إنهاء المقاومة وضرب بيئتها ودفعها للانفكاك عنها، ومنع حزب الله من ممارسة العمل السياسي والحياة العامة.

إقبال شعبي لافت وأجواء هادئة 

عكس توافد المواطنين منذ ساعات الصباح الأولى بكثافة إلى مراكز الاقتراع، وعي الجنوبيين بأهمية المشاركة السياسية، رغم كل التحديات والتهديدات والاعتداءات التي طالتهم منذ حرب الاسناد. الطوابير امتدت أمام عدد من المراكز، وخصوصًا في النبطية، بنت جبيل، ومرجعيون، حيث بدا واضحًا حجم التفاعل الشعبي مع هذا الاستحقاق الوطني.

على صعيد الأرقام اتضحت معالم المشاركة في الجنوب، حيث أظهرت الأرقام نسبًا متفاوتة بين المناطق، تعكس إلى حد كبير طبيعة كل دائرة وحجم التفاعل الشعبي فيها، ففي النبطية سجلت نسبة المشاركة 43.45% وهي الأعلى بين الأقضية، صيدا سجلت نسبة 43.35%، جزين بلغت 42.67%، في قضاء صور وصلت إلى 39.14%، حاصبيا بلغت 36.04%. أما في مرجعيون سجلت 31.58%، بينما جاءت بنت جبيل في المرتبة الأخيرة بنسبة 28.01%، ورغم تدني الأرقام، فإن رمزية المشاركة في هذين القضائين تبقى قوية، نظرًا لطبيعة موقعهما ومواقفهما الوطنية الثابتة.

غير أن المشهد الأبرز والأكثر تأثيرًا خلال اليوم الانتخابي، كان حضور جرحى تفجير البيجر، الذين رغم جراحهم، أصروا على المشاركة في العملية الانتخابية. تقدموا صفوف الناخبين، حاملين رسالة وطنية واضحة: الجنوب، كما قاوم وواجه، لا يتراجع عن ممارسة حقه السياسي، ولا يسمح للجراح أن تُقيده عن المساهمة في بناء الوطن.

لكن يبقى المؤشر الأهم لهذا الاستحقاق البلدي في الجنوب والنبطية دلالات عدة، أولها أن التزكية التي طالت نصف عدد البلديات جاءت لتؤكد التزام الأهالي بتوجهات الثنائي، حيث لم يكن هناك أي خرق أو حتى محاولة لكسر التزكية بترشيح شخص من هنا أو آخر من هناك. أما النصف الآخر، أثبتت النتائج حضور الثنائي الشيعي الوازن والذي التي لم تخرج بلدية واحدة منه، باستثناء خروقات بسيطة في عدد من البلدات، وبعضها سجلها مناصرين للثنائي ضد لائحة "التنمية والوفاء"، والتعبير بالتالي عن واقع سياسي لا يستطيع أي مكون لبناني أو أي حزب سياسي أو أي جهة خارجية تجاوزه.

والدلالة الثانية هي أن التصعيد الإسرائيلي الواسع قبيل ساعات من انطلاق العملية الانتخابية هدفه ضرب هذا الاستحقاق ومنع الناخبين من المشاركة فيه، ما ارتد سلبًا على الإسرائيليين وانعكس إصرارًا على أبناء الجنوب الذين واجهوا كل التحديات للتأكيد على خيارهم المقاوم.

أما الدلالة الثالثة فكانت من خلال حضور الدولة عبر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي أدلى بصوته في بلدته العيشية، وتفقد بعض أقلام الاقتراع، ومن خلال وزير الداخلية أحمد الحجار الذي جال على مراكز الاقتراع من النبطية الى الجنوب وتابع كل التفاصيل المتعلقة بالاستحقاق، إضافة الى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المولجين بحماية اليوم الانتخابي الطويل.

في المحصلة، لا شك في أن ما أفرزته الانتخابات البلدية من وقائع سياسية أكدت المؤكد بالنسبة للالتزام الشيعي بالثنائي الوطني المقاوم، وهو يحتاج الى عملية تبريد سريعة لبعض الرؤوس الحامية التي تحاول الإيحاء بأن المقاومة انتهت وأن بيئتها قد انفضت عنها، وصولاً الى مواقف سياسية عقلانية تحترم التوازنات، خصوصًا أن الثنائي قام بعمليات تسليف عدة للمسيحيين من قوات وتيار وكتائب أبرزها في بيروت التي لولا قراره الصارم لأنصاره بالتصويت للائحة "بيروت بتجمعنا" لما حصل المسيحيون على 11 مقعدًا من أجل المناصفة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد