ندى أيوب (الأخبار)
انتهت الانتخابات البلدية، بتثبيت القوى السياسية حضورها، حتّى تلك المُغيّبة قسرًا عن المشهد مثل تيار المستقبل، مقابل خساراتٍ مدوّية للّوائح الدائرة في الفلك التغييري في كلّ المحافظات، باستثناء لائحتين فقط شكّلت أرقامهما مؤشّرًا لافتًا، على القوى السياسية المعنية قراءته، هما لائحة "بعلبك مدينتي" التي حصدت 32% من أصوات المقترعين في بعلبك، مع متوسط أصواتٍ بلغ 5500 صوت، ولائحة "راشيا تستحق" التي نالت 42% من الأصوات، مع متوسط أصواتٍ بلغ 1085 صوتًا.
بخلاف هاتين الحالتين، لم يصل تمثيل غالبية اللوائح المحسوبة على الجو التغييري وجمعيات المجتمع المدني إلى حدود الـ10%، وهذا ما تعكسه أرقام أبرز اللوائح.
بداية مع الحالة الأهم، وهي لائحة "بيروت مدينتي" التي نالت 8.8% من الأصوات، متراجعةً 28 نقطة مئوية عمّا حصلت عليه في الانتخابات البلدية عام 2016، علمًا أنها لائحة العاصمة التي يمثّلها خمسة نواب تغييريين في المجلس النيابي، ومدعومة بشكلٍ أساسي من نائبين "تغييرييْن"، إلى جانب وجوه "تغييرية" برزت في الشأن العام منذ عام 2016. وفي مدينة صور، حصدت لائحة "صور مدينتي" متوسط أصوات بلغ 1000 صوت، ما يشكّل 10% من أصوات المقترعين، علمًا أن الناشطين في صور كان لهم حضورهم البارز على صعيد الحراك عام 2019.
وفي طرابلس، "عاصمة الثورة"، حصدت لائحة "الفيحاء" 1293 صوتًا، بما يعادل 3.2% من أصوات المقترعين. وفي دير القمر، كانت حصّة لائحة "دير القمر مدينتي"، 5.5% من الأصوات. وعلى عكس بعلبك، جاءت نسبة أصوات "الهرمل للجميع" بحدود الـ9%. وفي النبطية، سجّلت لائحة "النبطية تستحق الحياة" حضورها بـ7% من الأصوات، إذ نالت 519 صوتًا مقابل 7200 صوت للائحة "تنمية ووفاء".
يروّج المعنيون بالجو التشريني - "التغييري"، من طبّاخي لوائح ومرشحين وناشطين، أنّ المسألة ليست مسألة ربحٍ وخسارة، بقدر ما هي تمسك بممارسة حقّهم بخوض "العرس الديمقراطي". غير أنّ مجرّد تسجيل الحضور، كيف له أن يبقى هو الغاية، وهل هو تذكير مستمر بوجود معترضين؟ وماذا بعد ذلك؟ أم أن المعترضين يفترضون أن في لبنان من لم يعلم بوجودهم بعد؟
إلا أن منطلقات "التغييريين" تخالف منطلقات الناخبين وأسئلتهم المُفترضة تلك. فهناك مصلحة، لمن ينطقون باسم الجو "التغييري" من نواب أو ناشطين، بتكريس وجود حالةٍ تغييرية يحاجُّون انطلاقًا منها، ويتحدّثون باسم قواعدها الشعبية المُفترضة، وينسبون إلى أنفسهم شرعية مستمدّة منها، علمًا أنّ ما أوصل 12 منهم إلى الندوة البرلمانية، وما جعل من بعض الناشطين السياسيين "قادة" يتحدّثون باسم "التغيير"، لم يكن أكثر من مزاجٍ تغييري، عبّر عنه الناس في انتفاضة تشرين 2019، وهو آخذ بالضمور منذ سنوات، حتّى وإن سمح في عام 2022، بوصول مجموعة نوابٍ إلى البرلمان مستفيدين من قانون الانتخابات النيابية القائم على النسبية.
وهو تراجع، بذاته غير منفصل عن وضع تسجيل الحضور هدفًا، حيث ليست هناك حاجة لا إلى العمل الجدّي، ولا إلى الانفتاح على التحالفات، ولا إلى علاقة متواصلة مع الناس، ولا همّ لفهم جميع الحساسيات التي تحكم خياراتهم الانتخابية.
صحيح أنّ نتائج الاقتراع القائم على القانون الأكثري، كما في حالة الانتخابات البلدية، لا يمكن الركون إليها بشكلٍ كامل لتقدير ما إذا كانت نتائج الانتخابات النيابية وفق القانون النسبي بعد عام ستكون مشابهة أم لا، إلا أنّ المقاعد النيابية الـ11 لن تكون بالضرورة محسومة لصالح ما يُسمى الجو التشريني – "التغييري".
ومن المفارقات اللافتة، أن من خاضوا الانتخابات البلدية في الجنوب على سبيل المثال، باسم مستقلّين، استطاعوا خرق لوائح الثنائي حزب الله وأمل، وكانت حظوظهم أكبر ممن خاضوها باسم لوائح مدعومة من أشخاص وجهات كانت تدور في الفلك التغييري، كلائحة "النبطية تستحقّ" التي يحمل بعض أعضائها خطابًا سياسيًا معاديًا يتقاطع مع ما يقوله العدوّ الإسرائيلي. وهو مؤشّر إلى أنّ النَّفس المعارض ضمن الجو الشيعي، على محدودية تمثيله، ينبذ هذا الخطاب الذي يتلطّى أصحابه جنوبًا بغطاء "التغيير".