أوراق إعلامية

Veo 3 تدشن زمن «الديموقراطية» البصرية

post-img

شهد عالم الإبداع المرئي في الأيام الأخيرة ثورةً تعد بتغيير جذري في طرق إنتاج المحتوى البصري وتوزيعه واستهلاكه. أصبح بالإمكان تحويل الأفكار المجرّدة إلى واقع بصري مذهل بكبسة زرّ.

تخيّلوا أن تتحول كلماتكم المكتوبة إلى أفلام عالية الجودة، بحوارات متزامنة وموسيقى تصويرية آسرة، وكل ذلك من دون الحاجة إلى استوديوهات باهظة التكاليف أو فرق إنتاج ضخمة.

هذه لمحة عن الإمكانات اللامحدودة التي أطلقتها Google Veo 3. هذه التقنية تغيّر صناعة الفيديو والتسويق والإعلان بالكامل، وتفتح هذا العالم أمام الجميع، فهل نحن مستعدون لعصر يصبح فيه السرد القصصي البصري متاحًا للجميع؟

كشفت شركة «غوغل» عن نموذجها الأحدث لتوليد الفيديو، Veo 3، خلال فعاليات مؤتمر المطورين السنوي Google I/O 2025. يمثّل هذا النموذج الجيل الثالث من تقنيات توليد الفيديو. يقدّم دمجًا متقدمًا بين الصوت والصورة بشكل غير مسبوق، ويتميّز بقدرته على توليد مؤثرات صوتية وحوارات تتزامن بدقة مع المشاهد المرئية، ما يمنح المحتوى طابعًا واقعيًا أكبر.

يمنح هذا النموذج المستخدمين إمكانية إدخال أوصاف دقيقة للشخصيات والمشاهد وتحديد نبرة الصوت المطلوبة، فيحصلون على حرية إبداعية واسعة.

يبلغ الطول الأقصى للفيديوهات المولدة عبر Veo 3 في نسخته التجريبية الحالية 8 ثوانٍ فقط. يمثّل هذا الأمر تحديًا أمام إنتاج محتوى سردي طويل، إلا إذا جرى إنتاج مقاطع عدة ودمجها، مع ما قد يرافق ذلك من مشكلات في الجودة. تظلّ المعطيات الواردة في النص دقيقةً وتعكس بُعدًا استشرافيًا لتأثير هذه التقنية مستقبلًا، خصوصًا مع التعديلات والإضافات المتوقعة المتعلقة بمدة الفيديو المنتج.

Veo 3: سرد بصري بلا حدود

يشكّل هذا الابتكار نقطة تحوّل حاسمة في الصناعة. صار بإمكان الجميع، من الشركات الكبرى إلى روّاد الأعمال والمبدعين المستقلين، إنتاج مقاطع فيديو احترافية وعالية الدقة في دقائق معدودة عبر وصف نصي بسيط.

تمنح هذه التقنية القدرة على تحويل الوصف النصي إلى مشاهد بصرية نابضة بالحياة، مع تفاصيل دقيقة وتأثيرات مذهلة يصعب تمييزها عن اللقطات الحقيقية. تظهر الشخصيات بحركة شفاه واقعية، ما يضفي طبقةً جديدة من المصداقية والواقعية تعزّز تجربة المشاهدة وتجعل المحتوى أكثر إقناعًا.

تتيح الإمكانات المتوافرة تضمين البُعد الصوتي بشكل متكامل، بدءًا من موسيقى الخلفية الملائمة للمشهد وصولًا إلى المؤثرات الصوتية الدقيقة كخطوات الأقدام، صوت الرياح، وضجيج المدينة، ما يعزز الطابع الواقعي.

إضافةً إلى تعدد اللغات، يوفر Veo 3 إمكانية تكييف المحتوى ليناسب ليس فقط لغات متعددة، بل أيضًا الفروق الدقيقة بين الثقافات والأسواق المختلفة، مع إمكانية تعديل الألوان، الملابس، والإيماءات لتناسب السياق الثقافي المستهدف.

هذه السهولة الفائقة تولّد ديموقراطية جديدة في هذا القطاع، وتحرّر الأصوات والأفكار التي طالما قيّدتها تعقيدات الإنتاج التقليدي وتكاليفه المرتفعة.

محتوى سريع ومكثف

دائمًا ما كانت عملية إنتاج الفيديو التقليدية مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا. يتيح Veo 3 إنتاج محتوى سريع ومكثف، ما يمنح شركات الإعلان والتسويق القدرة على تنفيذ عشرات أو حتى مئات أشكال الفيديو لحملات وجماهير ومنصات مختلفة، في مدة زمنية قصيرة جدًا مقارنة بالماضي. تنفتح بذلك آفاق الاختبار السريع والتكرار المستمر للحملات الإعلانية، ويكتسب القطاع قدرة أكبر على مواكبة اتجاهات السوق والاستجابة لملاحظات المستهلكين فورًا.

توفر التقنية الجديدة للعلامات التجارية إمكانية تقديم تجارب إعلانية فريدة وشخصية جدًا، تستهدف اهتمامات وتفضيلات كل فرد، ما يرفع مستويات التفاعل. تنخفض بذلك كلفة الإنتاج بنسب قد تُجاوز الـ50 في المئة، وأحيانًا تبلغ 80-90 في المئة في المشاريع الصغيرة، ما يسمح بإعادة توجيه الميزانيات نحو مبادرات إبداعية أكثر قيمة، كابتكار الأفكار الجديدة، والتوسع في قنوات تسويقية إضافية، والاستثمار في المواهب القادرة على توجيه الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير.

يتوقع أن تمتد تأثيرات التقنية إلى قطاعات عدّة، أبرزها التعليم، إذ تتيح صياغة مواد تعليمية جذابة ومخصصة ومواد تدريبية تلائم أنماط التعلم المختلفة، فتصبح المعرفة أكثر سهولة وابتكارًا. كذلك، ستدفع التجارة الإلكترونية وخدمة العملاء إلى مستويات جديدة، مع قدرة تجار التجزئة على إنتاج مقاطع فيديو تبرز مزايا كل منتج، وتطوير مساعدين افتراضيين للتسوق يتفاعلون مع العملاء، وصنع عروض توضيحية تفاعلية.

بالفعل، بدأت شركات كبرى استخدام إعلانات مصنّعة بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي قبل طرح Veo 3، ومن بينها Mondelez International العملاقة في مجال الأغذية، وشركة WPP، إحدى أكبر شركات التسويق في العالم.

مستقبل العاملين: تحولات لا انقراض

يطرح المستقبل سؤالًا جوهريًا حول مصير العاملين في قطاع إنتاج الفيديو والإعلان: المصورون، المخرجون، الممثلون، المصممون، وخبراء التسويق. هل سيحلّ Veo 3 محلّهم؟ الإجابة معقدة، لكن المرجّح أن أدوارهم ستتغير جذريًا.

تنتقل مهماتهم من العمل الميداني بالكاميرا والإضاءة إلى تعميق فهمهم للقصة، وتطوير الرؤية الإبداعية، وصياغة الأوامر النصية الدقيقة لتوجيه الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى.

أما الممثلون، فقد تتجه أعمالهم أكثر نحو أداء الصوت (Voice Acting) أو العمل كنماذج مرجعية للذكاء الاصطناعي، ليستفيد الذكاء الاصطناعي من تعابيرهم وحركاتهم في إنتاج شخصيات رقمية واقعية.

سيجدون فرصًا جديدة في صناعة المحتوى المخصص (Personalized Content)، مع إمكانية توليد نسخ رقمية منهم للمشاركة في آلاف الإعلانات أو المواد التعليمية يتحوّل المسوّقون والمتخصصون في الإعلان إلى إستراتيجيين للمحتوى وخبراء تخصيص. تصبح مهمتهم الأساسية فهم الجمهور المستهدف، تطوير الرسائل الفعّالة، وصياغة الأوامر النصية التي تنتج محتوى إعلانيًا شديد الفعالية. تزيد بذلك قدرتهم على اختبار وتكرار الحملات، ما يجعلهم أكثر فعالية في تحقيق الأهداف.

مع التحوّل المرتقب للفيديوهات المولدة بالذكاء الاصطناعي إلى التيار الرئيسي، تتغير الطريقة التي ننتج بها المحتوى البصري ونستهلكه ونتفاعل معه إلى الأبد.

يبشّر Veo 3 بعصر من الكفاءة غير المسبوقة والحرية الإبداعية، لكنه يثير أيضًا تساؤلات عميقة حول الأصالة، وإمكانية ضبط الفيديوهات المزيفة التي سيصعب تمييزها عن الواقع، مع ما تحمله هذه الاحتمالات من مخاطر أخلاقية.

الخدمات المتوافرة وكلفتها

أعلنت شركة غوغل أن خدمة Veo 3 صارت متوافرة للمستخدمين في 71 دولة حول العالم (لبنان ليس من بينها حتى الآن، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي. ويمكن لمستخدمي باقة Gemini Pro المدفوعة تجربة النموذج عبر إنشاء ما يصل إلى عشرة فيديوهات كفرصة تجريبية لمرة واحدة.

أما المشتركون في باقة Ultra، التي تُقدّر بـ250 دولارًا شهريًا، فيستفيدون من الحد الأقصى لعدد الفيديوهات التي يمكن إنشاؤها باستخدام Veo 3، بما في ذلك إمكانية إعادة التحديث اليومي لرصيد الفيديوهات. يحصل هؤلاء المشتركون على 125 فيديو شهريًا في خدمة Flow المخصّصة لصناع الأفلام والمحتوى الإبداعي، بينما يحصل مشتركو Pro في الخدمة نفسها على 10 فيديوهات شهريًا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد