اوراق خاصة

إياكم والقيام بهذا في عيد الأضحى ..!

post-img

محمد باقر ياسين / خاص موقع أوراق

درجت عادة إطلاق النار في الهواء، في لبنان؛ في مختلف المناسبات، في الأتراح والأفراح على حدّ سواء، تعبيرًا عن مشاعر جياشة، لا يمكنهم تفريغها إلّا بهذا السلوك. ويتعدى، أحيانًا، استخدام الأسلحة الخفيف، مسدس أو رشاش، إلى القذائف الصاروخية من نوع “RPG”؛ لتسبب الذعر والهلع على أقل تقدير؛ وخرابًا في الممتلكات الخاصة والعامة في المدى المتوسط، لتصل إلى الحد الأقصى حين تقتل أبرياء على شرفات منازلهم أو في الطرقات، جراء سقوط هذه الذخائر الحربية. 

ما الإجراءات التي يجب على المجتمع اتخاذها للتخلص من ظاهرة إطلاق النار في الهواء؟ وما الذي قامت به الدولة بهذا الصدد؟ وما رأي المرجعيات الروحية في لبنان بذلك؟ 

إجراءات واجبة على المجتمع اتخاذها

على أبواب عيد الأضحى المبارك- أعاده الله على جميع اللبنانيين بالخير والبركة- وهو يوم غد، ينتاب المواطنون هاجس التعرض للرصاص الطائش جراء هذا الموروث القبيح المتمثل بإطلاق النار في الهواء تعبيرًا عن الفرح. ومن حق المواطن الخوف من هذه الظاهرة التي تتسبب بذعر الكبار والصغار من أصوات الرصاص الكثيف من جهة، وخشية التعرض للإصابة بأي طلق ناري طائش من جهةٍ أخرى. 

لذلك على المجتمع العمل بقوة وبحزم لنبذ هذه الظاهرة الخطيرة، من خلال الإجراءات الآتية:

1.  لا يتردد المواطن في التبليغ والإخبار عن أي مطلق نار في الهواء؛ لأن في ذلك حفظًا للأرواح وعقوبة طبيعية لمطلق النار ورادعًا لمن يفكر في الأمر لاحقًا.

2. استبدال إطلاق المفرقعات بإطلاق النار، بشكل آمن ومدروس؛ فالمفرقعات هي خطيرة كذلك؛ فيجب الانتباه لضررها. 

3. التقييد بالقوانين مرعية الإجراء، امتثالًا لنظام الدولة. 

4. التقييد بالرادع الديني الذي يحرمّ إيذاء الآخرين أو التسبب بقتلهم. 

إجراءات الدولة للتخلص من هذه الظاهرة

قامت الدولة اللبنانية بسنّ قوانين للقضاء على هذه الظاهرة؛ وتتمثل بما يلي:

1. كل من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة أو في حشد من الناس، من سلاح مرخص أو غير مرخّص، يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وبغرامة من ثمانية أضعاف إلى عشرة أضعاف الأدنى الرسمي للأجور، ويصادر السلاح في جميع الأحوال، ويُحال المرتكب إلى المحكمة العسكرية لمحاكمته (م 75 و79 من قانون الأسلحة والذخائر). وقد عمد مجلس النواب اللبناني، في 15 أيار 2025، إلى مضاعفة العقوبة على مطلق النار. أما مطلقو الأسهم النارية، فكل من أقدم على إطلاق أسهم نارية في الأماكن الآهلة، بصورة يحتمل معها وقوع خطر على الأشخاص أو الأشياء، يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر، وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتصادر الأسلحة والأسهم المضبوطة (م 752 عقوبات).

2. جرائم إطلاق النار والمفرقعات التي تؤدي إلى الإيذاء: تتحقَّق هذه الجريمة عندما يقع الإيذاء نتيجة إطلاق النار والمفرقعات النارية عن إهمال أو قلة احتراز أو مخالفة القوانين أو الأنظمة؛ أي من دون توافر النيّة الجرمية للإضرار بالضحية. والإيذاء غير المقصود قد يكون بسيطًا أو مُشدَّدًا.

أ- الإيذاء غير المقصود البسيط: إذا أدى إطلاق عيارات نارية في الهواء من سلاح حربي، إلى مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تقل عن عشرة أيام، عوقب المجرم بالحبس من تسعة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرة أضعاف إلى خمسة عشر ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، وفقًا لقانون تجريم إطلاق عيارات نارية في الهواء الرقم 71/2016. ويعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر، على الأكثر، أو بغرامة لا تتجاوز المئتي ألف ليرة (م 565/2 عقوبات). ويزاد على هذه العقوبات نصفها إذا اقترف المجرم أحد الأفعال التي تؤدي إلى التسبّب بحادث، ولو مادي، ولم يقف من فوره أو لم يعن بالمجنى عليه أو حاول التملص من التبعة بالهرب (المادة 566/2 عقوبات).

ب- الإيذاء غير المقصود المُشدَّد: إذا تجاوز المرض أو التعطيل عن العمل العشرة أيام؛ قضي بعقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلًا عن الغرامة السابق ذكرها. وإذا أدى الفعل المذكور إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب بإحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر وبغرامة من خمسة عشر ضعفًا إلى عشرين ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، وفقًا لقانون تجريم إطلاق عيارات نارية في الهواء الرقم 71/2016.

3- جرائم إطلاق النار والمفرقعات التي تؤدي إلى الوفاة: عندما يؤدّي إطلاق النار أو المفرقعات النارية، عن إهمال أو قلة احتراز أو مخالفة القوانين أو الأنظمة، إلى وفاة شخص أو أكثر؛ من دون توافر النية الجرمية لقتل الضحية، يعدّ جرم التسبب بالموت نتيجة عمل غير مقصود. ويعاقب الجاني بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدّة لا تقل عن عشر سنوات، ولا تتجاوز الخمس عشرة سنة، وبغرامة من عشرين إلى خمسة وعشرين ضعف الحدّ الأدنى للأجور، وفقًا لقانون تجريم إطلاق عيارات نارية في الهواء (71/2016).

كما شهدنا، في الآونة الأخيرة، حزمًا من القوى الأمنية المختلفة والجيش اللبناني في توقيف مطلقي النار، وقد تجلى ذلك بوضوح، خلال الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت على مدى الأسابيع المنصرمة. 

رأي المرجعيات الروحية في إطلاق النار

تحرّم جميع المرجعيات الدينية في لبنان ظاهرة إطلاق النار في الهواء؛ لما تسببه من ضرر على البشر والحجر. دار الفتوى تؤكد أن: "إطلاق الرصاص في الهواء محرم شرعًا ولا يجوز، وهو مخالف لأحكام الله تعالى ورسوله (ص). وفاعله آثم ومرتكب للمعصية، وكل ما ينتج عن هذا العمل، من قتل إنسان أو جرحه أو إضرار بالممتلكات أو ترويع للناس، يتحمّل إثمه ومسؤوليته عند الله كل من أطلق الرصاص في حينه ووقته. 

لذلك تشدد دار الفتوى على عدم جواز استخدام السلاح وإطلاق النار في الهواء؛ لأدلة كثيرة من القرآن الكريم، والسّنة النبوية الشريفة تحرمّ هذا العمل وتنهى عنه. 

يُذكر أن سماحة العلامة الراحل المرجع السيد محمد حسين فضل الله قد أصدر فتوى؛ حرّم فيها كل ما من شأنه أن يضر بالبيئة أو يمثل اعتداءً عليها أو يؤدي إلى إزعاج الناس وترويعهم وتخويفهم، في إشارة إلى ظاهرة إحراق الإطارات المطاطية وإطلاق الرصاص والمفرقعات.

في موقف من ظاهرة إطلاق النار في الهواء، ومن سلسلة مواقف للشهيد السيد حسن نصر الله أكد فيه أن :"كلّ من يطلق النار في الهواء؛ إنّما يطلق النار على صدري ورأسي وعمامتي. ومن يطلق النار؛ إنّما يطلق النار عليَّ وعلى المقاومة وشهدائها وإنجازاتها وحضاريّتها. والمحبّون والغيارى يجب أن يفهموا الموضوع بهذا الحجم". 

في الختام، يجب على الدولة اللبنانية أن تغلظ العقوبة؛ فالمبالغ المالية المذكورة في قوانين العقوبات لم تعد ذات قيمة بعد الأزمة المالية التي عصفت في البلاد. وعلى القوى الأمنية أن تتشدد في تطبيق القانون، والقبض على جميع مطلقي النار على مساحة الوطن. 

صحيح أن هذه الظاهرة قد بدأت تنحسر شيئًا فشيئًا؛ مع ذلك نقول لجميع المواطنين في لبنان: إياكم وإطلاق النار في الهواء، خلال أيام عيد الأضحى المبارك وفي جميع المناسبات القادمة، لا نريد مزيدًا من الأضرار الجسدية والنفسية والأضرار في الممتلكات أو خسارة المزيد من الأحبة... يكفي الشعب اللبناني ما يعانيه بسبب أزمات مالية وصحية واجتماعية وسياسية وعدوان متواصل على بلدنا الحبيب. 

نرجو أن تنتهي هذه الظاهرة نهائيًا، وكل عامٍ وجميع اللبنانيين بخير وسلامة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد