اوراق خاصة

"اليونفيل" بين حفظ السلام والأهداف السياسية

post-img

حسين كوراني/ خاص موقع أوراق

عند كل استحقاق للتجديد لها، يتجدد الحديث عن دور قوات الأمم المتحدة "اليونيفيل" في جنوب لبنان، إن كان سيمر التجديد أو ستنتهي مهمة هذه القوة.

مع اقتراب الموعد السنوي لهذا الاستحقاق؛ يتصاعد الحديث الذي يستبطن ضغوطًا على السلطات اللبنانية بأهداف سياسية. لذلك السؤال : ما هي هذه القوات وما هو دورها؟

انتشرت قوات الطوارئ الدولية (اليونفيل)، في جنوب لبنان في 19 آذار 1978، بعد تبني مجلس الأمن الدولي القرارين 425 و426 اللذين طالبا "إسرائيل" بوقف أعمالها العسكرية وسحب قواتها التي احتلُّت منطقةَ جنوب نهر الليطاني، باستثناء مدينة صور في 14 آذار 1978 بأكثر من 25,000 جندي. لذلك؛ وصلت طلائع "اليونفيل" إلى المنطقة، في 23 آذار من العام نفسه، بناء على القرار 426، حيث يجدد مجلس الأمن الدولي سنويًا ولايتها بناء على طلب من الحكومات اللبنانية.

مهام قوات "يونيفيل"

في بادئ الأمر؛ أنشئت "اليونيفيل" لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وإعادة السلام والأمن، ومساعدة الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها الفعلية على المنطقة. وهي لديها السلطة والقدرة على الرد بقوة على الأعمال العسكرية، ويمكن لأفرادها ممارسة حقهم في الدفاع عن النفس واستخدام القوة لضمان عدم استخدام مناطق عملياتها لأعمال عسكرية.

تنتشر "اليونيفيل" في جنوب لبنان، ما بين نهر الليطاني شمالًا وما يُعرف بـــ"الخط الأزرق" جنوبًا. ويقع مقرها في بلدة الناقورة، وتنتشر بحريًا على امتداد الساحل اللبناني بأكمله.

أتى قرار مجلس الأمن الدولي 1701، والصادر في 11 آب 2006، بمهام إضافية لقوات "اليونيفيل" أهمها رصد عملية وقف الأعمال "العدائية" في لبنان، ودعم الجيش اللبناني في أثناء انتشاره في جميع أنحاء الجنوب، بما في ذلك على طول "الخط الأزرق"، بينما تسحب "إسرائيل" قواتها من البلاد، والمساعدة في ضمان وصول المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين والعودة الطوعية والآمنة للنازحين.

مقدار القوة والبلدان المساهمة

بلغ عدد جنود قوات "اليونيفيل" نحو 10 آلاف جندي، حتى مطلع شهر أيلول 2024، وينتمون إلى نحو 50 دولة أبرزها: فرنسا وكوريا الجنوبية وبنغلاديش وغانا وبولندا وإندونيسيا وإيطاليا وإسبانيا وتنزانيا وماليزيا. وتضم "اليونيفيل" قوات بحرية انتشرت، في تشرين الأول 2006، بناء على طلب من الحكومة اللبنانية لمساعدة بحريتها على تأمين المياه الإقليمية، والمساعدة في منع دخول السلاح غير المرخص أو المواد ذات الصلة إلى لبنان عن طريق البحر.

إلى جانب القوة العسكرية؛ يوجد نحو ألف مدني لبناني وأجنبي يعملون ضمن طاقم "يونيفيل"، وفريق مكون من 50 مراقبًا عسكريًا غير مسلح، موجود في لبنان منذ العام 1949، وهو جزء من "هيئة مراقبة الهدنة" التابعة للأمم المتحدة. وقد فقدت قواتها 335 عنصرًا من أفرادها، منذ تأسيسها في العام 1978 وحتى 31 أيار العام 2024.

أبرز المحطات التي مرّت بها

في العام 1982، اجتاحت "إسرائيل" لبنان مرة أخرى ووصلت إلى العاصمة بيروت، وحاصرتها مدة 3 سنوات. واقتصر دور "اليونيفيل" على توفير الحماية ومساعدة السكان. ونفذت "إسرائيل"، في العام 1985، انسحابًا جزئيًا غير أنها أبقت سيطرتها على منطقة جنوب لبنان، واستمرت حينها الأعمال القتالية بين "إسرائيل" والمقاومة اللبنانية.

في تموز 1993، شنّت "إسرائيل" عدوانًا على جنوب لبنان، فاستشهد عشرات المدنيين في منطقة انتشار قوات "اليونيفيل". وفي نيسان 1996 استشهد 120 مدنيًا، أيضًا، في منطقة انتشارها وجرح المئات، بينما أصيب 4 من الجنود الأمميين إثر قصف العدو مجمع الأمم المتحدة في بلدة قانا. وتلقى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، في 17 نيسان 2000، إخطارًا من "إسرائيل" يفيد بأنها سوف تسحب قواتها من لبنان بحلول تموز من العام ذاته، بما يتماشى مع قراري مجلس الأمن 425 و426، لكن في الواقع هي أُجبرت على الانسحاب من الجنوب على وقع ضربات المقاومة المؤلمة التي وجهتها إليها. وانتهت قوات الاحتلال من عملية الاندحار في 7 حزيران 2000، وأرسلت "اليونيفيل" خريطة تبيّن ما عرف بـ"الخط الأزرق" للجانبين اللبناني والإسرائيلي وتطالبهما الالتزام به.

عقب ذلك؛ سجلت "اليونيفيل" عددًا من الخروقات، منها قيام جيش العدو الإسرائيلي بدوريات عبر خلالها "الخط الأزرق". كما حاول 500 متظاهر فلسطيني، في 7 تشرين الأول 2000، الاقتراب من الخط، ففتحت "إسرائيل" النار عليهم ما أسفر عن استشهاد 3 منهم. وإثر العدوان الإسرائيلي، في العام 2006، طالب الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان بتمديد ولاية "اليونيفيل"، ودعا مجلس الأمن الأطراف إلى السماح للقوة بإعادة إمداد مواقعها وإجراء عمليات الإنقاذ والبحث عن موظفيها، ووضع تدابير تراها ضرورية لضمان سلامة موظفيها. وقتل خمسة من موظفي الأمم المتحدة بينما جُرح 16 شخصًا آخرون بقصف إسرائيلي على إحدى مقراتهم في أثناء هذا العدوان. وانتشرت قوة معززة من "اليونيفيل"، في العام 2006، لمنع تكرار الأعمال العدائية عبر "الخط الأزرق".

 في آب 2017؛ انتقدت الولايات المتحدة دور "اليونيفيل"، وعلى الأثر عقد مجلس الأمن في الشهر ذاته جلسة مشاورات مغلقة بخصوص عملها، وسط مطالبات أميركية وإسرائيلية بتوسيع مهامها لضبط أنشطة حزب الله بصورة أكبر في جنوب الليطاني، وفي 28 آب 2024 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2749، والذي مدد فيه ولاية البعثة حتى 31 آب 2025.

ماذا عن وقف التجديد لـ"اليونيفيل"؟

في الآونة الأخيرة؛ ومع اقتراب استحقاق التجديد لولاية قوات "اليونيفل"، تتصاعد الإرهاصات الخارجية في تعليق مهمتها أو تعديلها. والزوبعة السنوية، والتي تتكرّر منذ العام 2009، تأتي من ضمن محاولات الابتزاز والضغط اللذيْن يُمارسان على الحكومة والجيش اللبنانييْن لتحقيق الأمنيات الإسرائيلية؛ من إنهاء حزب الله وسلاحه إلى الاصطدام مع بيئة المقاومة.

لكن قرار التمديد لـ"اليونيفل" سوف يجد دعمًا من الدول الأوروبية التي تسهم فيها، عديدًا وعتادًا، وتحافظ من خلالها على نفوذ ميداني. وبحسب مصدر مطّلع، سمع مسؤولون لبنانيون امتعاضًا بريطانيًا وفرنسيًا من استئثار أميركا بالواقع العملاني اللبناني منذ وقف إطلاق النار، من خلال لجنة الإشراف وفريق التنسيق بين السفارة الأميركية واليرزة.

هذا من ناحية، وأما أن الاعتقاد بأن القوى الدولية ستسحب قواتها بسبب مشكلة محلية مع أهالي الجنوب، كما بدأت تسوق "إسرائيل" مؤخرًا ومن يدور في فلكها فهذا من السذاجة، لأن هذا الموضوع يُطرح دوريًا قبل أشهر من موعد تجديد مهمة "اليونيفل" في مجلس الأمن، في كل عام. على مدى السنوات العشر الماضية، تكرر هذا النقاش في توسيع صلاحيات القوات أو تعديل آليات عملها، وكان آخرها في العام 2023، حين جرى بالفعل تعديل آليات العمل من دون أن يشمل ذلك السماح بدخول القوات الدولية إلى الأملاك الخاصة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد