وافق أغلب قضاة المحكمة العليا في البرازيل على تحميل شركات التواصل الاجتماعي المسؤولية القانونية عن المنشورات غير القانونية التي ينشرها المستخدمون، في قضية تاريخية لها تداعيات على العلاقات مع الولايات المتحدة. ويجعل هذا الحكم البرازيل تقترب من نهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث يسعى الأخير للحد من قوة منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الرقمية.
لقد قررت المحكمة العليا في البرازيل النظر في قضيتين مختلفتين للتوصل إلى فهم لكيفية التعامل مع شركات التواصل الاجتماعي، في وقت تتصاعد فيه تقارير عن الاحتيال، والمواد الإباحية للأطفال، والعنف بين المراهقين على الإنترنت. ويحذر المنتقدون من أن مثل هذه التدابير قد تهدد حرية التعبير، إذ قد تلجأ المنصات إلى إزالة المحتوى بشكل استباقي لتفادي المشاكل القانونية.
أصبح القاضي جيلمير مينديس، الأربعاء، سادس قاضٍ من بين 11 قاضيًا في المحكمة العليا يصوت لصالح فتح المجال أمام مقاضاة شركات مثل "ميتا" و"إكس" و"مايكروسوفت" وإلزامها بدفع غرامات على المحتوى الذي ينشره مستخدموها. ولا يزال التصويت جاريًا، لكن الأغلبية البسيطة كافية لتمرير القرار.
يأتي هذا الحكم بعد تحذير وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من إمكانية فرض قيود على منح تأشيرات دخول لمسؤولين أجانب يُزعم تورطهم في فرض رقابة على مواطنين أميركيين. ومن بين هؤلاء المسؤولين القاضي البرازيلي ألكسندر دي مورايش الذي كان من بين الذين اتخذوا إجراءات ضد منصات التواصل الاجتماعي التي لم تمتثل للقانون البرازيلي.
القاضي الوحيد الذي عارض القرار حتى الآن هو أندريه مندونسا، وأُعلِن تصويته الأسبوع الماضي. وأكد مندونسا أن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي تشكل عنصرًا أساسيًا لنشر المعلومات التي "تحاسب المؤسسات العامة القوية، بما في ذلك الحكومات والنخب السياسية والمنصات الرقمية". أما القاضي فلافيو دينو، الذي كان أول من صوت الأربعاء، فقد ذكّر زملاءه بأن حالات إطلاق النار في المدارس كانت قد تأثرت بمنصات التواصل الاجتماعي. وقرأ منشورًا لأحد المستخدمين الذي قال إنه سعيد بمشاهدته لأمهات الأطفال القتلى "وهنّ يبكين، وينزفن، ويمتن". وأضاف: "أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تقرب الإنسانية من بعضها بقدر ما أنتجته من أسوأ الصور".
سيصبح هذا المقترح قانونًا بمجرد الانتهاء من التصويت ونشر النتيجة، لكن لا يزال بإمكان الكونغرس البرازيلي سنّ قانون جديد لإبطال القرار. ينصّ التشريع الحالي على أنه لا يمكن تحميل شركات التواصل الاجتماعي مسؤولية المحتوى الضار إلا إذا امتنعت عن حذفه بعد صدور أمر قضائي بذلك.
تزايد النقاش العام حول تنظيم الشبكات الاجتماعية في البرازيل بعد أعمال الشغب التي وقعت في 8 يناير/ كانون الثاني 2023، عندما اقتحم أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو الكونغرس والقصر الرئاسي والمحكمة العليا في العاصمة برازيليا.
أشار أستاذ القانون في مؤسسة جيتوليو فارغاس (Getulio Vargas Foundation) في ريو، ألفارو بالما دي خورخي، إلى أن المنصات بحاجة إلى أن تكون نشطة في تنظيم المحتوى. وأضاف: "يجب أن تتبنى بعض الاحتياطات التي لا تتوافق مع انتظار القاضي لإصدار قرار بإزالة ذلك المحتوى". من جهتها، حذرت غرفة الاقتصاد الرقمي البرازيلية (Brazilian Chamber of Digital Economy)، ومقرها ساو باولو، من أن تحميل المنصات المسؤولية التلقائية عن المحتوى على منصاتها قد يضر بحرية التعبير، حيث قد تلجأ هذه المنصات إلى إزالة المحتوى استباقيًا لتجنب العقوبات. وقالت المنظمة إن "هذا النوع من المسؤولية يصب في مصلحة الشركات الكبيرة ذات الهياكل القانونية القوية، على حساب الشركات الوطنية الأصغر حجمًا، ما يؤثر سلبًا في المنافسة"، مضيفة أن القرار قد يزيد من الحواجز أمام الابتكار.