تتفاقم فضيحة التجسّس التي تلاحق حكومة جورجيا ميلوني اليمينية في إيطاليا، بعدما عثر باحثون على أدلة جديدة تشير إلى استهداف المزيد من الصحافيين في البلاد باستخدام برمجية التجسّس التي تطورها شركة "باراغون الإسرائيلية" التي اعترفت روما باستخدامها ضد ناشطين حقوقيين وسياسيين.
إذ أكدت لجنة برلمانية تشرف على الاستخبارات، في وقت سابق من الشهر الحالي، أن إيطاليا استخدمت برنامج تجسّس مرتزق من إنتاج شركة باراغون سوليوشنز الإسرائيلية ضد ناشطَين إيطاليَين. لكن اللجنة نفسها التي فتحت تحقيقًا بشأن فضيحة القرصنة في مارس/ آذار الماضي، صرّحت بأنها لم تتمكن من تحديد الجهة التي تقف وراء استهداف الصحافي الاستقصائي الإيطالي البارز، فرانشيسكو كانسيلاتو، الذي انتقدت مؤسّسته الإخبارية حكومة ميلوني.
الآن، كشف تقرير صادر عن باحثين في "سيتيزن لاب" الكندي أن زميلًا مقربًا من كانسيلاتو، وهو سيرو بيليغرينو الذي يرأس مكتب نابولي التابع لموقع التحقيقات Fanpage.it، استُهدف هو الآخر من مستخدم لبرنامج التجسس "غرافيت" التابع لشركة باراغون سوليوشنز الإسرائيلية. وأوضح باحثو "سيتيزن لاب" أن صحافيًا ثالثًا، اختار عدم الكشف عن هويته ويُوصف بأنه "صحافي أوروبي بارز"، استُهدف أيضًا ببرنامج التجسّس نفسه.
كشفت هذه المعلومات في الوقت الذي تنخرط فيه شركة باراغون سوليوشنز الإسرائيلية والحكومة الإيطالية في خلاف علني حاد. إذ أفادت صحيفة هآرتس، هذا الأسبوع، بأن "باراغون سوليوشنز" عرضت مساعدة الحكومة الإيطالية في التحقيق في قضية كانسيلاتو. وبحسب التقارير الإخبارية، فإن إيطاليا رفضت هذا العرض، وأبدت إدارة الاستخبارات الأمنية الإيطالية مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ومن المقرّر عقد نقاش حول هذه المسألة، التي أثارت غضب المعارضة الإيطالية وأعضاء البرلمان الأوروبي في بروكسل، في البرلمان الأوروبي في 16 يونيو/ حزيران الحالي.
انطلاقًا من هذه الوقائع، أوردت صحيفة ذا غارديان البريطانية، الخميس، أنها تواصلت مع شركة باراغون سوليوشنز للتعليق على آخر التطورات. وأشارت إلى تعليقات أدلت بها الشركة الإسرائيلية لصحيفة هآرتس، والتي أكدت فيها إلغاء عقدها مع الحكومة الإيطالية بعد تقارير نشرت لأول مرة في فبراير/ شباط الماضي، تفيد باستهداف كانسيلاتو. وكانت "ذا غارديان" أول من أفاد بأن "باراغون سوليوشنز" أنهت عقدها مع إيطاليا في فبراير، كذلك تواصلت الصحيفة البريطانية مع حكومية ميلوني. ولم تتلق ردًا من الطرفَين.
السؤال الملح الآن في إيطاليا: من يقف وراء استهداف الصحافيين؟ الباحث في "سيتيزن لاب"، جون سكوت-ريلتون، قال: "وجدنا أن هواتف الصحافيين تحمل بصمات رقمية واضحة لشركة باراغون. ومما زاد الأمر إثارةً للاهتمام، أننا وجدنا بصمات مطابقة لنفس عميل باراغون في كلتا الحالتَين".
كشف تقرير صادر عن لجنة كوباسير البرلمانية أن وكالات الاستخبارات المحلية والأجنبية الإيطالية كانت لديها عقود مع "باراغون سوليوشنز" في عامي 2023 و2024، وأن برنامج القرصنة استُخدم بإذن من المدعي العام وفي ظروف محدودة. وفقًا للجنة، فإن برنامج التجسّس الإسرائيلي استُخدم للبحث عن هاربين من القانون، والتحقيق في مزاعم الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتهريب الوقود، وجهود مكافحة التجسّس، وأضافت أن ناشطي حقوق الإنسان المؤيدين للهجرة الذين استُهدفوا - ومن بينهم لوكا كاساريني وجوزيبي كاتشيا - تعرضوا للتجسّس بسبب صلتهم بـ"الهجرة غير الشرعية"، وليس لانخراطهم في مجال حقوق الإنسان.
في شباط الماضي، أنهت شركة باراغون سوليوشنز الإسرائيلية للتجسّس علاقتها بعملائها في إيطاليا، بعد أن كشفت "واتساب"، أن برنامج غرافيت من "باراغون"، الذي يباع حصرًا لجهات حكومية، استعمل لاستهداف 90 صحافيًا وناشطًا في 20 دولة مختلفة حول العالم، وكشف عن قائمة المستهدفين التي ضمت الصحافي الاستقصائي وناشطين إيطاليين انتقدوا تعاملات حكومة جورجيا ميلوني اليمينية مع ليبيا.
تملك "باراغون" مكتبًا في ولاية فرجينيا الأميركية، وكانت قد واجهت مؤخرًا تدقيقًا، بعد أن ذكرت مجلة وايرد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أنّها دخلت في عقد بقيمة مليوني دولار مع قسم التحقيقات الأمنية الداخلية التابع لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية. وفقًا لـ"وايرد"، أصدر القسم أمرًا بوقف العمل في العقد للتحقق مما إذا كان يتوافق مع أمر تنفيذي لإدارة جو بايدن يقيد استخدام برامج التجسّس من الحكومة الفيدرالية. وألغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عشرات الأوامر التنفيذية لإدارة بايدن في أول أسبوعين لها، لكن أمر في العام 2023 الذي يحظر استخدام برامج التجسّس التي تشكل خطرًا على الأمن القومي لا يزال ساريًا.
اشتهرت شركة باراغون من خلال برنامج التجسس الخاص بها غرافيت (Graphite)، والذي يملك قدرات مماثلة لبرنامج بيغاسوس المملوك لمجموعة إن إس أو الإسرائيلية، إذ بمجرد إصابة الهاتف بفيروس "غرافيت"، يصير لدى مشغل برنامج التجسّس إمكانية الوصول الكامل إلى الهاتف، بما في ذلك القدرة على قراءة الرسائل المرسلة عبر تطبيقات مشفرة مثل "واتساب" أو "تليغرام" أو "سيغنال". وقال مصدر مطلع لصحيفة ذا غارديان إن "باراغون" لديها 35 عميلًا حكوميًا، ويمكن اعتبارهم جميعًا "ديمقراطيين"، وإن "باراغون لم تتعامل تجاريًا مع دول، بما في ذلك بعض الديمقراطيات، التي اتُّهمت سابقًا بإساءة استخدام برامج التجسّس"، وأشار إلى أن ذلك يشمل اليونان وبولندا والمجر والمكسيك والهند.
"باراغون" أسسها عسكريون إسرائيليون سابقون. ووفقًا لصحيفة معاريف، فإن العميد احتياط إيهود شنيرسون، القائد السابق لوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أسس الشركة بالتعاون مع مجموعة من الضباط السابقين في الوحدة نفسها، كما أن رئيس وزراء الاحتلال السابق، إيهود باراك، يمتلك أسهمًا في الشركة الإسرائيلية.