كان جيلنا، وما قبله في الستينيات والسبعينيات يشعر بكثير من الخزي في الإعلام الغربي، إعلام الإذاعة والتلفزيون، وخصوصًا الصحافة، لشدة تعصُّبها للأفكار الصهيونية، وكان ثابتًا لدينا أنّ الدعاية الصهيونية أكلت وجه الغرْب وعقله وأقنَعَته بسردية باطلة عن حق «اليهود » في فلسطين، وعن «ضرورة » القَبول بما يفعله الجيش الإسرائيلي لا في فلسطين فحسب، بل أيضًا في كل البلاد العربية.
عبد الغني طليس/جريدة الأخبار
كنا نتساءل عن هدر العرب أموالهم الطائلة في العالم من دون أن يُفكروا في صناعة إعلام «عالمي » يدافع عن قضاياهم. قضايا «الأمة العربية»، إلى أن جاء الزمن (مطلع القرن الجديد) الذي انخرط فيه العرَب، دوَلًا نفطية تحديدًا، في إنشاء المحطات الفضائية الكبرى التي لها امتدادات خرافية وبصمات على عقل الجمهور العربي في كل مكان.
إعلام الغرب: من التحيز الصهيوني إلى الصحوة الإنسانية
غير أننا في «هذه المرحلة تحديدًا» التي رأينا فيها كثيرًا من إعلام الغرب يتحسّس المظلومية الفلسطينية، ويطهّر نفسه من الأثر المادي والمعنوي الصهيوني وينظر إلى الأمور من زوايا إنسانية طبيعية حضارية لا دَمغة صهيونية عليها، اكتشفنا أنّ الإعلام العربي، المشرّع الآفاق، بات كليًا «في مكان آخَر» ويَلزمُنا التمنّي على الإعلام الغربي الذي أفاق من غيبوبته في حدود واضحة، بأن يقنِع الإعلام العربي بما نسيَه من عدالة القضية الفلسطينية وعدالة المواجهة العربية مع «المشروع الإسرائيلي ».
المشروع الذي كان «تخمينًا » لا يصدَّق عند العرب في الخمسينيّات وما بعدها، فإذا به خطة كاملة المعالم يجاهر بها نتنياهو وهو إنشاء «إسرائيل الكبرى »، وأخْذ المنطقة العربية، دولةً خلف أخرى، إلى أحضانه وسط مشاركة عربية له مكشوفة الوجه واللسان…
الإعلام العربي: التخلي عن القضية الفلسطينية
ليس بَعد. «هاآرتس» العبرية آباء عن جدود، التي نفخَت ماضيًا سمومها على الفلسطينيين والبلاد العربية والمسلمين تعلن اليوم في صدر الصفحات أنّ «الفلسطينيين هم أفضل الشعوب في الدفاع عن أوطانهم »، مانحةً مركز الصدارة الوطنية للشعب الفلسطيني، في وقت يغمض الإعلام العربي، عينيه وضميره عن ارتكابات إسرائيل في غزة والضفة، ويبخّس في قيمة التضحية «ولا جدواها» لتمكين العدوّ. وكذلك في غسل فصائل فلسطينية جديدة «صهيونية » الحركة والأهداف (أبو شباب وجماعته الاستخباراتية) من أجل فرضها كنقيض لمقاومة «حماس».
مِثْلي مثل أغلبية جيلي، كنا في موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي نذهب إلى ما وراء الإعلام، فنستهجن، ولا نفهم الانحياز غير الطبيعي وغير المسبوق لدى أنظمة وحكومات ومجتمعات الدول الغربية والعالَم تجاه إسرائيل وجنونها المرَضي ضد فلسطين والأراضي العربية المحتلة. وكنا كعرب أصحاب موقف حازم بعدوانية إسرائيل، ونستنكر وقوف ذلك الغرب سياسيًا وعسكريًا إلى جانبها وتغطيتها المعنوية والملموسة للتبرئة من أي قرار دولي أو أُممي ضدّها.
المحكمة الدولية والضغط الشعبي: إعلام الغرب يُحرج إسرائيل
اليوم انقلب هذا الواقع اللئيم، إذ تقوم أغلبية مؤسسات دوَل الغرب وشعوبها ضد نتنياهو وإسرائيل، وتصدر من محكمة الجنايات الدولية مذكّرة توقيف بحقه كقائد للإبادة الفلسطينية الجديدة، وتصبح فلسطين عنوانًا إنسانيًا استثنائيًا في الدول الكبرى والصغرى على خريطة الأرض. لا نجد لدى الإعلام التلفزيوني والصحافي العربيين من يضيء على ذلك، ونتثبّت من أن الدوَل العربية، المطبّعة مع إسرائيل وأغلبَ غير المُطَبّعة، تقف خلف نتنياهو وتساعده ماليًا وعسكريًا وتنسيقيًا، وتروّض شعوبها على هذا الموقف، فيصبح نتنياهو والأنظمة العربية في صفّ واحد لتصفية القضية الفلسطينية سلاحًا وموقفًا، والاكتفاء المفلس ببَند «قيام الدولتين » في المبادرة العربية للسلام، وقد جعلَته إسرائيل مَضحَكة!
الغرب يستيقظ.. والعرب يغرقون في الوهم الصهيوني!
بَرَمَ الزمن. وعند استفاقة إعلام الغرب وسياساته (الأجانب) من الوهم اليهودي كان العرَب قد... آمنوا به مُخَلّصًا. وبتنا بحاجةِ الغرب ومفكّريه وفنانيه وإعلامه، خصوصًا إعلامه، لنبيّن للعرب جرائم نتنياهو، وعدالة القضية الفلسطينية!
لا مؤامرات خفية، ولا نظريات غيبية، ولا حاجة إلى جدال. علنًا، وعلى رؤوس الأشهاد يجري كل شيء.