اوراق خاصة

أيهما أقوى ..."المشروع النووي" أم "المشروع النبوي" ؟

post-img

إيهاب شوقي/ كاتب وصحافي مصري

هناك جوانب أخرى تكشفها الحرب المصيرية التي وقعت بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيادة الهيمنة العالمية المتمثلة بأميركا وأداتها الصهيونية، بخلاف الجوانب العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية ولغة الخسائر والأرقام، وهي الجوانب الحضارية والروحية التي نغفلها في معظم التحليلات.

إذ تكشف الحرب الراهنة، وما سبقها، نموذجين أخلاقيين متباينين. أحدهما يمثل حضارة همجية استعمارية – إن جاز وصفها بالحضارة- والآخر يمثل حضارة عريقة تتحلى بالقيم والثوابت، حتى في أكثر لحظات الصراع حدة والمتمثلة بالاشتباك والقتال.

يمثل النموذج الصهيو- أمريكي نموذجًا مشوّهًا ومتطرفًا من الحضارة الغربية، اتخذ من هذه الحضارة تقدمه العلمي والتكنولوجي فقط، بينما وظف هذه المكتسبات توظيفًا شيطانيًا يعكس همجية قطّاع الطرق والتشكيلات العصابية، والتي لا فرق فيها بين نموذج الكاوبوي المستوطن على حساب الهنود الحمر الشعب الأصلي، وبين ثقافة المستوطن الصهيوني الإرهابي التوسعي على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض.

شكّل هذا التوافق الإيدولوجي الأمريكي- الصهيوني، بعدما عززت تقاربه الأطروحات الدينية التحريفية بين التلموديين والمسيحية الصهيونية، اتحادًا استعماريًا عصابيًا وسّع من مطامع الاستعمار ونطاقه، لينتقل من استعمار استيطاني إلى نطاق الدول إلى مشروع جيوستراتيجي على نطاق الأقاليم، وهو ما نشهده حاليًا في "مشروع الشرق الأوسط الجديد".

هذا؛ بينما يشكّل النموذج الإيراني المقاوم نموذجًا حضاريًا يقوم على القيم الأخلاقية، فهو محتفظ في جذوره بقيم الحضارة الفارسية القائمة على الانضباط والتسامح والجدية والاهتمام بالعلم والإدارة. وتوج هذه السمات الحضارية بالانتماء إلى النموذج الإسلامي الذي يضم هذه القيم في جعبته؛ إلّا أنه نموذج أشمل يضم المزيد من القيم، ويضبطها ويحدّد منهجها وتوجهاتها وبوصلتها.

مثال بسيط، إيران/ الشاه كانت نموذجًا متقدمًا، ولكنها وظّفت مخزونها الحضاري توظيفًا منحرفًا بالانتماء إلى معسكر الاستعمار، بينما جاءت الثورة الإسلامية، بانتمائها إلى الإسلام الأصيل، نموذجًا موظفًا لمكتسبات الحضارة ومحزونها القيمي في الاتجاه الصحيح من التاريخ بالانتماء إلى الأمة ونصرة المستضعفين ورفع راية الحرية والكرامة ومواجهة المستكبرين.

مما لا شك فيه أن قضية المشروع النووي، والتي اتخذته حرب العدو الصهيوني على الجمهورية الإسلامية عنوانًا لها، هي قضية مشابهة لـــ":قميص عثمان"، فهي ذريعة للانقلاب وتغيير هذا النظام المقاوم واستبداله بنموذج تابع وعميل، لا يعرقل المخطط الاستعماري والمشروع الكبير الذي كشفت أميركا قناعها، حين أعلنت دخولها الرسمي في الحرب لتنفيذه.

المشروع النووي بالنسبة إلى إيران ليس غاية، إنما وسيلة للتقدم والتطور، وتدميره لا يعدً تدميرًا لإيران، والتي تمتلك من عناصر القوة والاقتدار ما يمكّنها من الصمود من دونه، إنما أصبح التمسك به عنوانًا للكرامة والسيادة ورفض الذلة؛ إذ تعلم إيران أن الخضوع للإملاء الأميركي هو مقدمة لسلسلة كبرى من التنازلات، وأي إشارة ضعف سيلتقطها العدو للفتك بها.

تاليًا؛ قضية التمسك بالحقوق بامتلاك مشروع نووي تتخطى كثيرًا نطاق الاستخدامات السلمية وفوائدها الطبية والاقتصادية ومنافعها في مجال الطاقة، هي تدخل في نطاق السيادة والأمن القومي، ما يجعله حقا مقدسًا وخطًا أحمر، وتجاوزه يعني كسر الإرادة وتهديد المشروع الإيراني الإسلامي برمته. ومن هنا؛ المشروع النبوي الذي التزمته الثورة الإسلامية على تقاطع مع المشروع النووي من زاوية الإرادة والكرامة والدفاع عن الحق ورفض المذلة. إذ يمكن القول إن المشروع النبوي هو الأساس، وهو الغاية، بينما يشكل المشروع النووي وسيلة وعنوانًا وملفًا ضمن ملفات كبرى يحملها مشروع إيران النبوي.

إن ملامح المشروع النبوي الإيراني بادية للجميع؛ ولها مصاديق كبرى منذ اليوم الأول للثورة، والتي طبقت شعاراتها عمليًا في مواجهة الاستكبار ونصرة المستضعفين، حين حولت سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة فلسطينية.

كما نادت إيران الثورة بالوحدة الإسلامية، وساعدت كل حركات التحرر من الاستعمار، وقدمت شهداء خارج أراضيها قربانًا للمصداقية، وهي في هذه الحرب تدفع ثمن مواجهتها لمشاريع الاستكبار، وتعاقب على دعمها للمستضعفين. إلا أن تمسكها بمشروعها النبوي، والذي لا ينفصل عن المشروع الحسيني المشكل لوجدان قادتها وشعبها في مجمله، تصمد وتقدم الإبداعات والتضحيات، وعندما تخيّر بين السلة والذلة، فخيارها الوحيد هو "هيهات منا الذلة".

المشروع النبوي ليس خيارًا انتحاريًا؛ إنما هو خيار عقل وخيار كرامة، ولا يعتدي على أحد، هو مشروع دفاعي عن الحقوق ومشروع نصرة للمستضعف والمغصوب ومشروع وحدة وأخاء، وهو ما تطبقه إيران حتى في ذروة استهدافها والاستفراد بها.

إن سر قوة إيران الحقيقية، بنسختها الثورية، هو المشروع النبوي الحسيني الذي يمكّن قادتها من الصمود والشجاعة، ويمكّن شعبها من الخروج تحت قصف الطائرات لإعلان التضامن والاصطفاف مع الحرب المقدسة، بينما يفر مستوطنو الكيان الصهيوني من فلسطين المحتلة، ويقضون أيامهم تحت الأرض، وينتظرون فرصًا سانحة لمغادرة الكيان الهش.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد