محمد باقر ياسين / خاص موقع أوراق
بعد مرور أشهر على انتهاء العدوان الإسرائيلي الموسع على لبنان، ما تزال عجلة إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية التي تضررت بفعل العدوان تسير بوتيرة بطيئة جدًا إلى حد التوقف التام. وكأنّ الدولة بحكومتها ووزرائها المعنيين، في هذا المجال من وزارة الأشغال العامة إلى وزارة المياه والطاقة، غائبون عن المعاناة اليومية التي يتكبدها المواطنون جراء هذا التقصير من الحكومة التي قطعت على نفسها وعدًا بإعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية.. لذلك السؤال: أين الحكومة ووزراؤها من إعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية؟
بدايةً؛ لا بد من التوقف عند التقرير الذي أصدره البنك الدولي عن حجم الأضرار المباشرة التي لحقت بالأصول المادية، نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير، والتي بلغت 6.8 مليارات دولار، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية 7.2 مليارات دولار، ما يعني أنّ مجمل الخسائر قد بلغت 14 مليار دولار. وقد قدّر البنك الدولي أن تصل «احتياجات التعافي وإعادة الإعمار» إلى 11 مليار دولار، ويجب تأمين 8.4 مليارات منها، خلال العام 2025 حتى العام 2027.
استنادًا إلى هذا التقرير؛ لا يمكن تحميل الحكومة اللبنانية ووزرائها المعنيين أكثر من قدراتهم، ولكن هذا لا ينفي تقصيرهم الواضح والصريح في معالجة ما أمكن من المشكلات التي يعانيها المواطن اللبناني جراء الحرب، من تضرر شبكة الكهرباء والمياه، والتي يمكن لوزارتي الأشغال العامة ووزارة المياه والطاقة تخفيف هذه المعاناة بالإسهام بما تيسر لها من إمكانات في تحسين هذه الظروف. ولكن- مع الأسف- لم نشهد سوى عمل البلديات، على الرغم من إمكاناتها المتواضعة جدًا، تسعى إلى إصلاح ما أمكن من البنى التحتية في المناطق المتضررة.
في هذا الصدد؛ تثني بعض الأوساط على جهود البلديات والجمعيات الأهلية والأحزاب التي تقوم بتخفيف المعاناة بقدر ما تستطيعه.
هذا؛ بينما الحكومة لم تخطُ أي خطوة حتى الآن، تحت حجّة عدم امتلاكها الأموال، مع أنها لم تقم ولو في الحدّ الأدنى من الخطوات لمعالجة أهون المشكلات.. مثل أن تدعُو إلى اجتماع تخطيطي لإعادة الإعمال لتشمل عددًا كبيرًا من بلدات الجنوب المدمّرة بشكل كامل أو جزئي. كما أنها لم تدعُ التنظيم المدني إلى وضع مخطّطات لإعادة الإعمار، ولم تؤسّس شركة أو صندوقًا...
الخطوة اليتيمة الوحيدة حتى الآن، هي ما قامت به مع البنك الدولي حين اقترضت 250 مليون دولار من أجل إعمار البنية التحتية. يضاف إليها مشروع القانون الذي قدمته الحكومة، بالتعاون مع المجلس النيابي الذي أقره حديثًا، ويتضمن شقين: الأول؛ يتعلّق بالإعفاءات من بعض الرسوم التي تشمل كل بيت متضرر مهدم أو متضرر جزئيًا على مساحة الأرض اللبنانية. والشق الثاني؛ توفير البيئة القانونية المناسبة لإعادة الإعمار، من خلال البنود التي تلحظ كيفية إعادة إعمار البيوت التي تهدمت. هذا القانون تأخرت فيه الحكومة 6 أشهر أو أكثر، لو باشرته مبكرًا كانت وفّرت على اللبنانيين كثيرًا من الجهد والوقت المهدورين.
اليوم؛ وبعد أن سقطت حجة عدم وجود الأموال لإعادة تأهيل البنية التحتية، بعد إعلان البنك الدولي الموافقة على تمويل بقيمة 250 مليون دولار لدعم جهود لبنان في ترميم البنى التحتية وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، أصبح لزامًا على الحكومة ووزرائها المعنيين أن يتحركوا، وبشكلٍ عاجل، لوضع خطط مدروسة بعناية ومباشرة العمل على إعادة تأهيل البنى التحتية، كي يتمكّن اللبنانيون من العودة إلى قراهم وحياتهم من جديد. .. إذ لم يعد مقبولًا استمرار التقاعس عن تأدية حقوق المواطنين الذين يعاقبون مرتين؛ الأولى همجية العدو باستهداف البنى المدنية، والثانية تقصير الحكومة.
إن إقرار الإطار القانوني لإعادة الإعمار يجب أن تترافق معه خطط مفصلة لتأمين التمويل والمباشرة بإعادة بناء ما تهدم. ومن الضروري جدًا أن تسعى الدولة، بمختلف أركانها، إلى وقف العدوان المستمر على لبنان. إذ إن إعادة الإعمار من جهة والقصف والتدمير من جهة أخرى لا يتفقان. كما يجب على الدولة السعي إلى تحرير أراضيها المحتلة من العدو الإسرائيلي، في ما يسمى بــ"النقاط الخمس"، بالوسائل الممكنة كلها؛ تمهيدًا لعودة المواطنين اللبنانيين إلى أرضهم وحياتهم الكريمة من جديد.