زينب حمود (جريدة الأخبار)
أقدمت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، أول من أمس، على إزالة جملة تعديات على نهر كفرصير (قضاء النبطية)، تتمثل باستراحات و«تصاوين» وإنشاءات لا تراعي شروط التراجع عن الأملاك النهرية، وشقّت طريقين إلى النهر. غير أن قضية نهر كفرصير تتجاوز في خطورتها التعديات الفردية على الأملاك العامة النهرية، إلى عمليات بيع غير قانونية للأراضي المحاذية للنهر في العقار الرقم 888، ما أدّى أخيراً إلى «حبس» النهر وحرمان أهالي البلدة من حقهم التاريخي والطبيعي في الوصول إليه.
وعلى مدى السنوات الماضية، تفاقمت فوضى بناء المنازل والاستراحات التي نمت كالفطر على ضفاف النهر، وشكّلت حاجزاً بين الأهالي وبين آخر متنفس مجاني يلجأون إليه. وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بقطع آخر طريق يصل ساحة القرية بالنهر، ويُعرف بطريق «نهر الجامع»، بذريعة أنه يمر بأرض خاصة بنى صاحبها، وهو رئيس البلدية منير قميحة، أسواراً حولها.
قميحة أكّد لـ «الأخبار» أن «الأرض ملك خاص، وحصلت على رخصة بناء نظامية من المحافظ، لكن الناس يصرّون على المرور بها»، واعداً باستحداث طريقين آخرين إلى النهر. ولدى سؤاله عن دراسة الأثر البيئي للبناء بجوار الأملاك النهرية، فوجئ بوجود تفصيل كهذا.
إزاء إصرار قميحة، تقدم عدد من أهالي البلدة بشكوى إلى مصلحة الليطاني التي أرسلت فريقاً للكشف على الضفة المقابلة لمجرى النهر، حيث «تم تحديد وجود تعديات على الأملاك العمومية النهرية، وقمنا بإزالتها»، بحسب رئيس المصلحة سامي علوية.
لكن المصلحة وجدت نفسها عالقة بين فكّي كماشة: «حق أصحاب العقارات بالتصرف بالملكية الخاصة وعدم القدرة على هدم منزل مرخّص من جهة، والحق في وصول المواطنين إلى الأملاك العامة النهرية من جهة ثانية». وبات تأمين مرور الناس إلى النهر تحدياً بالفعل.
ورأت المصلحة أنّ المشكلة في الأصل هي في الإفراز الرضائي للعقار الرقم 888 الذي كان يملكه آل عسيران قبل عقد اتفاقية بيعه لأهالي كفرصير وتجزئته إلى 26 قطعة، «من دون مراعاة إنشاء طرقات خدمة بين العقارات، أو تخصيص مساحات للحدائق العامة أو المواقف، كما تفرض المخططات التنظيمية ومشاريع الإفراز الأصولية».
و«الأخطر»، وفق علوية، أن الإفراز «لم يلحظ أي ممر أو منفذ يضمن حق الأهالي في الوصول إلى مجرى نهر الليطاني»، مشيراً إلى أن المشروع «نُفّذ خلافًا للأصول القانونية والفنية، وبموافقة بلدية كفرصير التي لم تراعِ مقتضيات قانون التنظيم المدني، وقانون البناء، وقانون المياه رقم 192/2020، وقانون حماية البيئة، وسائر القوانين والمراسيم ذات الصلة بحماية الموارد المائية والتنظيم العمراني».
وأوضح أن «هذا الوضع يؤثر، ليس على الأهالي فقط، بل على مهمات المصلحة في صيانة النهر والولوج الدائم لأغراض الطوارئ والتدخل السريع، إضافة إلى منع الجهات الرسمية من الوصول إلى ضفافه لأداء مهماتها مثل وزارة البيئة لمراقبة التلوث، ووزارة الأشغال لدى حدوث فيضانات أو صيانة الجسور، والقوى الأمنية لملاحقة أي مخالفات أو تعديات على الأملاك العامة، وغيرها».
بناء على ما سبق، أرسلت المصلحة كتاباً إلى المديرية العامة للتنظيم المدني طلبت فيه إلغاء مخطط الإفراز الرضائي للعقار الرقم 888 «ما لم يتم تعديل المخطط بما يضمن تأمين حق مرور فعلي واضح ودائم إلى الأملاك العمومية النهرية» مشيرةً إلى المخالفات القانونية والفنية والإدارية التي شابته، كما طلبت «وقف العمل بجميع رخص البناء الصادرة استنادًا إليه، ومنع إصدار أي رخص جديدة في هذا النطاق العقاري».
حاول رئيس البلدية الالتفاف على القرار، فسارع إلى استحداث طريق آخر إلى النهر على نفقته الخاصة، ومن دون قرار عن المجلس البلدي.
إلا أن المصلحة رفضت هذه «التخريجة»، وأصرّت على إزالة التصوينة التي بناها قميحة بمحاذاة النهر، وفتحت طريقين آخرين إلى النهر.
المفارقة أنّ غالبية أصحاب الأراضي المحاذية للنهر في العقار نفسه، ممن يقطعون على الأهالي الطريق إلى النهر، يعملون في الشأن العام، وبعضهم رؤساء وأعضاء سابقون وحاليون في المجلس البلدي ممن يعوّل عليهم في تطبيق القوانين، وهذا ما يفسّر استمرار الفوضى العقارية على مدار سنوات طويلة وتفاقمها. ويبقى وضع حد نهائي لهذه الفوضى في يد وزارة الطاقة بإصدار مرسوم يرسم حدود الليطاني، ويحدد ملكية الأنهر، ويضمن مساراتها كما هي الحال في نهر إبراهيم مثلاً، إلا إذا كانت للأنهار حسابات طائفية أيضاً.