ميسم رزق (الأخبار)
ما أظهرته حركة الموفدين الخارجيين، ولا سيما يزيد بن فرحان وتوم برّاك، أن بلديهما لا يكترثان كثيرًا للوسائل بقدر ما يركّزان على تحقيق النتائج، حتّى وإن جاء ذلك على حساب الاستقرار الداخلي.
وقد عبّر برّاك عن هذا التوجّه بشكل صريح أمس، حين قال: "أميركا لن ترسل جنود المارينز إلى الأرض للقيام بذلك نيابة عن الدولة اللبنانية، فهذا ليس هدف ترامب، ولا مهمّة أحد".
في هذا السياق، جاءت جلسة الحكومة أول من أمس، ليس للمصادقة على ورقة الإملاءات الأميركية بضغط سعودي وحسب، بل كبداية لمسار مفتوح على كلّ الاحتمالات. ورغم حرص حزب الله، الطرف الأقوى داخليًا، على السلم الأهلي ورفضه الانجرار إلى لعبة الفوضى، إلا أنّه وحلفاءَه في الخط الوطني، يملكون أوراقًا سياسية كثيرة يُمكن رفعها في وجه الحكومة والعهد، متى دعت الحاجة.
وقد بدأ النقاش حول الخيارات المطروحة منذ فترة، وتكثّف مع تبيّن عجز أركان الحكم الجديد عن حماية البلد ومواجهة الضغوطات، بل وظهورهم كمن جاء لتنفيذ جدول أعمال خارجي، وهو ما بدأ يتحقّق فعليًا. وكردّ أولي على القرار المُذِلّ لحكومة نواف سلام، أعلن حزب الله في بيان أمس أنه "سيتعامل مع القرار وكأنه غير موجود"، في ما دعت حركة أمل في بيان الحكومة إلى "تصحيح موقفها لأنها استعجلت اتّخاذ القرار".
في الكواليس، لم تُسجّل أي حركة سياسية أو تواصل بين الثنائي ورئيس الجمهورية جوزيف عون، ولا بطبيعة الحال مع رئيس الحكومة.
وفي ما رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري عقد اجتماع بين الرؤساء الثلاثة، استمرّ التنسيق قائمًا بين حارة حريك وعين التينة لاتّخاذ موقف موحّد من جلسة الحكومة المُقرّرة اليوم، وسط توجّه جدّيّ لعدم المشاركة فيها، انطلاقًا من أن "الثنائي أساسًا لا يعترف بورقة برّاك".
ومع أن الرئيس بري كان يميل إلى خيار المشاركة من أجل "تصحيح بعض الثغرات، وعدم السماح بتمرير ورقة المبعوث الأميركي كما هي"، تمّ الاتفاق على أن يُتخذ القرار النهائي بشكل موحّد بعد استمرار المشاورات حتّى موعد انعقاد الجلسة.
حتّى اللحظة، الثابت أن طرفَي الصراع في لبنان رسما سقوفًا واضحة لمواقفهما. وتحت وطأة هذه السقوف المتنافرة، دخلت البلاد في حالة ترقّب ثقيل، بانتظار ارتدادات القرار الحكومي الأخير. غير أن الهاجس الأكبر يتركّز حول موقف الجيش اللبناني، بعدما زجّته الحكومة في مغامرة سياسية غير محسوبة النتائج، ما فتح باب الأسئلة حول مدى قدرته على تفكيك اللغم الذي وُضع بين يديه نتيجة خضوع السلطة لضغوط خارجية.
في هذا السياق، بدأت تتكوّن ملامح أولية للمشهد المتوقّع خلال الأيام المتبقّية من هذا الشهر، وهو الموعد الذي حدّدته الحكومة للمؤسّسة العسكرية لوضع آلية تنفيذية لقرار نزع سلاح المقاومة.
وأفادت أوساط سياسية مطّلعة بأن "قيادة الجيش قد تتّجه إلى اتّخاذ قرار حكيم يقضي بإعادة الكرة إلى ملعب الحكومة، بإعلان موقف واضح يشترط التوافق السياسي لتنفيذ أي إجراء، وإلّا فإن أي خطوة في اتّجاه المواجهة ستكون لها تداعيات خطيرة على المؤسسة العسكرية نفسها"، إضافة إلى "ما يعترض الخطة المطلوبة من الجيش من صعوبات ومعوقات، وما تستلزمه من مساعدات مالية وعسكرية ولوجستية"، ناهيك عن الغطاء السياسي الضروري لمثل هذا المسار.
في المقابل، يمتلك الثنائي حزب الله وحركة أمل، وفق المصادر نفسها، "مجموعة من الأوراق السياسية التي يمكن تفعيلها في حال لم تتراجع الحكومة عن قرارها، تبدأ بالانسحاب من الحكومة، وقد تتوسّع نحو سحب الثقة منها داخل مجلس النواب من قبل الكتلة الشيعية المؤلّفة من 27 نائبًا.
كما لا يُستبعد أن تشهد البلاد تحرّكات شعبية واسعة ضدّ الحكومة التي يُنظر إلى قرارها على أنه اعتداء على شريحة كبيرة من اللبنانيين، وانخراط في الحرب ضدّهم، من دون أن تبادر إلى أي إجراء لتحرير الأرض أو الأسرى أو وقف العدوان "الإسرائيلي" على لبنان".
عمليًا، دخل لبنان مرحلة جديدة وسط تحدّيات متصاعدة تطاول الجميع، ولا سيما في ظل موقف واضح للمقاومة برفض أي نقاش في ملف السلاح، ورفضها التام لانكشاف البلاد بالكامل أمام العدوّ ال"إسرائيلي".
وفي هذا السياق، نقل مطّلعون أن "جلسة الحكومة الأخيرة أكّدت أن عنوان المرحلة، منذ ما بعد الحرب على لبنان، هو التنصّل من الالتزامات الوطنية، ومحاولة جرّ المكوّن الشيعي إلى فِخاخ متتالية، كان آخرها الجلسة الفضيحة التي عُقدت تحت ضغط خارجي فجّ".
وفي تعليق على وعود برّاك، أمس، والتي قال فيها إن "دول الخليج وعدت بأنه في حال التزام لبنان بالخطوات المطلوبة، سيتم تمويل منطقة صناعية في الجنوب، وعمليات إعادة إعمار، وخلق فرص عمل"، اعتبرت المصادر أن "هذه الوعود لم تعد تنطلي على أحد".
وأشارت إلى أن "المملكة السعودية سبق أن أرسلت الرسالة نفسها عبر مبعوثها يزيد بن فرحان قبل انتخاب رئيس الجمهورية، والذي وعد بأن المملكة ستشارك في إعادة الإعمار إذا ما وافق الثنائي على انتخاب عون، وبأنها لن تطرح موضوع السلاح خارج منطقة جنوب الليطاني، ليتبيّن لاحقًا أن كلّ ما جرى لم يكن سوى خديعة، لا تزال مستمرّة حتّى الآن".