أثار توجه حديث في قطاع التعليم في المغرب بتدريس رقصتي “هيب هوب” و”بريك دانس” ضمن البرامج المقدمة لتلاميذ المدارس جدلا اجتماعيا وثقافيا بين مؤيد للتطوير والتحديث ومحافظ يخشى تأثير هذه الرقصات الغربية على الأجيال الصاعدة.
الأمر بدأ عند الكشف عن مذكرة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في مايو/ أيار موجهة إلى أساتذة التربية البدنية في المدارس لتدريبهم على هذا النوع من الرقصات تمهيدا لدمجها في المقررات الدراسية على المستويين الإقليمي والجهوي مع الإشارة إلى أن تدريسها يظل اختياريا وغير ملزم لجميع التلاميذ.
وأوضح عبدالسلام ميلي، مديرالارتقاء بالرياضة المدرسية في الوزارة، أن “الفكرة جاءت من الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والرشاقة البدنية والهيب هوب، وهي جامعة قديمة منذ 1996، والهيب هوب والبريك دانس هي رياضات أولمبية”.
وقال إن الوزارة وقّعت على شراكة في العام 2021 مع الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والرشاقة البدنية بهدف التدريب على الأنشطة التي لها علاقة بالرشاقة، مشيرا إلى أن بريك دانس رياضة “معترف بها من طرف اللجنة الأولمبية الدولية منذ سنة 2018 وتم إدراجها ضمن الألعاب الأولمبية باريس 2024”.
وقال: “بالنسبة لنا كل الرياضات الممارسة سواء في الشارع أو المؤسسة تستدعي تدخلا تربويا ومعرفيا”.
وأضاف: “نحن منفتحون على جميع الرياضات تقريبا، إذ ننظم 56 بطولة وطنية في الرياضة المدرسية.. ولكل تلميذ اختياراته، وهدفنا هو تشجيع التلاميذ على الممارسة الرياضية كيفما كان نوعها”.
وفي المقابل، أثار التوجه الجديد انتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي المنتديات إذ رأى البعض أن ذلك النوع من الرقص يرتبط “بسلوكات هجينة على المجتمع المغربي” ويهدد التقاليد والأخلاق.
وتعود رقصة الهيب هوب في الأصل إلى أحياء السود في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، كتعبير من الشبان عن رفض التهميش والتمييز العنصري والفقر.
ويرجع البعض رفضها من جانب المجتمعات الشرقية، خاصة المحافظة، إلى نوع الملابس والحركات الجريئة التي تكون أحيانا مبالغ فيها كما يربطونها بثقافة الشارع بما أنها ولدت فيه.
ومع اتساع الجدل بشأن تدريس الهيب هوب والبريك دانس في المدارس أخذ الأمر منحنى تصعيديا بتوجيه سؤال داخل البرلمان إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة.
لكن الرد على استفسار النواب في يوليو/ تموز لم يخمد الجدل بل زاده إذ دافع الوزير عن توجه وزارته قائلا إن “إدراجها ضمن أنشطة الجمعية الرياضية المدرسية، جاء لتلبية ميولات ورغبات التلاميذ لممارستها في إطار منظم داخل فضاء المدرسة، إحقاقا لمبدأ دمقرطة الأنشطة الرياضية وتوسيع العرض الرياضي المدرسي كباقي الرياضات”. وقال بعض البرلمانيين إن هناك أولويات أخرى جديرة بالاهتمام من جانب الوزارة لتطوير المناهج والنهوض بالعملية التعليمية.
فنون محلية
قال أستاذ مادة الرياضيات هشام (34 عاما) الذي اكتفى بذكر اسمه الأول: “كنت أتمنى لو أن الوزارة قررت الزيادة في حصص الرياضيات والفلسفة والعلوم وتبسيطها وتقريبها للتلاميذ أكثر، خاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى مقومات التربية والتعليم وينقصها الكثير”.
وأضاف: “للأسف الحكومة لا تفكر في التربية والمناهج الحديثة إلا عندما يتعلق الأمر بأمور ثانوية.. فإذا كان لابد من تدريس الفن والرياضة، وهما محبذان وأنا شخصيا أدافع عنهما، فلماذا لم يتم التفكير في موسيقى كلاسيكية أو في فن الباليه مثلا؟ لماذا التفكير في فن الشوارع”.
كما عبر الناقد الفني مصطفى الطالب عن استغرابه لقرار الوزارة تدريس الهيب هوب، مستعيدا من الذاكرة القريبة واقعة حين بثت القناة الثانية المغربية حفل مغني الراب المغربي المثير للجدل (كراندي طوطو) في الدورة 20 لمهرجان موازين الموسيقي الشهير مما عرضها لانتقادات واسعة لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر المنتقدون حينها أن المحتوى “غير لائق ويخدش الحياء” بسبب بعض العبارات التي استخدمها الفنان، واعتبروها “غير مناسبة للجمهور الناشئ”.
وقررت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المغربية المعروفة اختصارا باسم (الهاكا) بعد تلقيها أزيد من 190 شكوى ضد القناة الثانية حفظ الشكاوى، وقالت في بيان إن “النموذج المغربي للتقنين المستقل، والقائم على حرية التعبير، لا تضطلع بموجبه هيئة التقنين بمهمة رقابة على الإبداع والتعبير الفنيين، كما لا تتدخل في الخيارات التحريرية للمتعهدين فيما يخص مجموع المضامين التي يبثونها” فيما التزمت القناة الثانية الصمت.
وقال الطالب: “من المؤسف أن نقول إنه عندما أضفت القناة الثانية شرعيتها على الراب، وهي القناة العمومية التي تخضع للمحاسبة ولدفتر التحملات، ها هي وزارة التربية الوطنية تقدم على قرار غريب وسخيف يتمثل في إدراج الهيب هوب والبريك دانس ضمن أنشطة الجمعية الرياضية المدرسية”.
وأضاف: “صحيح أن الرياضة تعد داعمة للانضباط والتعاون، ولذلك كانت المدرسة المغربية سابقا تنظم الألعاب المدرسية الصرفة، لكن الهيب هوب ليس بالرياضة الصرفة وليس بالرقص الصرف، فهو يلعب على الاثنين وبالتالي يطرح إشكالا تربويا ورياضيا”.
وتابع: “كنا نتمنى أن تقوم وزارتنا بإدراج الفنون الحربية أو رياضات الدفاع عن النفس، التي بالفعل تعلم الانضباط والاحترام، أو مساعدة التلميذ في إبراز مواهبه الموسيقية”.
وتساءل: “لماذا لا يتم تعليم الرقص المغربي الأصيل كأحواش وأحيدوس، التي تجمع بين الرقص والبنية الجسمانية مع المحافظة على الهوية المغربية”.
على مستوى أولياء الأمور، يرى نور الدين عكوري رئيس الفدرالية (الاتحاد) الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ أن الأمر يتعلق بالأسر، واختياراتها بما أن قرار التدريس ليس إجباريا وإنما اختياريا كعدد من المواد التي تدرس في المدارس المغربية كالموسيقى والفنون التشكيلية.
وقال: “الأسر التي ترى أن أبناءها يميلون إلى هذا النوع من النشاط الرياضي أو الفني فمن حقهم أن يسجلوا أبناءهم”. وأضاف: “المجتمع المغربي فيه فئات محافظة وفئات منفتحة، ولكل الحق في ممارسة اختياراته، فالأمر يتعلق بالأسر أولا وأخيرا”.