جريدة الأخبار
العتمة تغطي كل لبنان، الموضوع ليس متصلا فقط باجراء او خطأ اداري، ولا يمكن لأحد اتهام وزارة الطاقة بأنها المسؤولة عما حصل. لكنها في النهاية، تمثل السلطة الرسمية المسؤولة، سواء عن توقف تام لمعامل انتاج الكهرباء في كل لبنان، او لناحية عدم انتظام عمل المولدات الخاصة حيث لا احد يلتزم الاسعار.
ما يحصل، لم يلاقي أي اهتمام لافت من جانب وزارة الطاقة التي يتولاها ممثل «القوات اللبنانية» جو الصدي، والذي يفترض به أنه خبيرا قبل ان يكون وزيرا. ولديه تاريخ من العمل في المؤسسات الخاصة التي تهتم بقطاعات مثل الكهرباء.
وعلمت «الاخبار» ان مشكلة جديدة طرأت، وتتعلق باستقدام الفيول الخاص بانتاج الطاقة، بعدما تبين ان الوزير الصدي، يعمل على ايجاد بديل عن العراق، وحيث تبين ان للامر خلفية سياسية بامتياز، خصوصا وان الحكومة العراقية كانت ابلغت بطريقة غير رسمية الحكومة اللبنانية انها مستعدة للتبرع بما يستحق لها في ذمة لبنان كثمن للفيول، الى صندوق مخصص لأعمار ما هدمته الحرب الاسرائيلية في لبنان. علما انه يوجد حتى الان نحو 630 مليون دولار اميركي في حساب خاص بالحكومة العراقية في مصرف لبنان، ولم يتم التصرف بها لا من قبل الحكومة العراقية، ولا بادرت الحكومة اللبنانية الى صرف ولو جزء منها لدعم عملية اعادة الاعمار؟
وبعد محاولة لم يكتب لها النجاح مع قطر، لشراء كميات كبيرة من الغاز مقابل تعزيز انتاج الطاقة عبر الغاز وليس الفيول، وبعدما ابلغ لبنان، ان القرار الاميركي بعدم السماح لمصر والاردن ببيع لبنان كميات من الكهرباء، وجد الوزير الصدي ضالته في التوجه صوب الكويت باتفاق كتبت عنه «الاخبار» ما استدعى ردا من الوزير نفسه.
ردّ وزير الطاقة على ما ورد في «الأخبار» عن العقد الرضائي مع مؤسسة البترول الكويتية بشأن شراء 66 ألف طن من الغاز أويل، نشره في الوكالة الوطنية، لكن، لا مشكلة، فـ«الأخبار» لديها الكثير من الجرأة لنشر الردّ وتصحيح ما يرد فيه من «مغالطات» على حدّ تعبير الوزير.
ثمّة نقطتان أساسيتان في ردّ الصدّي بشأن ما ورد في مقال «الأخبار» المنشور يوم الخميس الماضي بعنوان «حكومة سلام تضرب الشراء العام»، لجهة خرق قانون الشراء العام، والمقارنة مع العقد العراقي؛
- أولاً، يقول إنّ الفقرة الخامسة من المادة 46 من قانون الشراء العام تجيز بشكل واضح للجهة الشارية أن تَقوم بالشراء بواسطة اتفاق رضائي «عند التعاقد مع أشخاص القانون العام كالمؤسسات العامة والبلديات أو المنظمات الدوليّة، وهذا ما ينطبق على مؤسسة البترول الكويتية الممثّلة لدولة الكويت بخلاف ما ادّعى المقال».
- ثانياً، يشير إلى أنه لا يعتمد النهج السابق الذي رتّب ديوناً ضخمة على لبنان، لأنّ العرض الكويتي «سيُسدّد بالكامل من جباية مؤسسة كهرباء لبنان، ولن يكبّد الخزينة أي مبالغ ولن يحمّل المواطن اللبناني أي أعباء مالية»، فضلاً عن أنّ «طبيعة العرض الكويتي مختلفة عن العقد العراقي».
لا يحتاج ردّ كهذا إلى الكثير من التفنيد، فالوزير وضع نفسه في موقع حرج للغاية لأنه ادّعى بأنّ القانون يجيز له العقد الرضائي إذا كان «مع أشخاص القانون العام» وفق التعريف القانوني، وأنّ مؤسسة البترول الكويتية تمثّل دولة الكويت، أي أنها من أشخاص القانون العام. ثم قال إنّ العقد العراقي ذو طبيعة مختلفة (أليس من دولة لدولة بناءً على قرارات حكومية في البلدين؟) وإنّ العرض الكويتي لن يكبّد الخزينة أي مبالغ لأن مؤسّسة كهرباء لبنان هي من سيسدّد ثمن الفيول.
من المستغرب أن يتعامل الوزير مع مؤسّسة كهرباء لبنان كأنها كيان مستقلّ عن الدولة لأنها هي مَن سيسدّد ثمن الغاز أويل وليس الخزينة، لكنه يرى أنّ مؤسسة البترول الكويتية تمثّل الدولة الكويتية. أليست مؤسسة كهرباء لبنان مؤسسة مستقلّة مملوكة بشكل ما من الدولة؟ والواقع أنّ مؤسسة البترول الكويتية أُنشأت في عام 1980 بـ«المرسوم بالقانون» رقم 6 الذي أعطاها شخصية اعتبارية مستقلّة، وإن كانت مملوكة من الدولة، وذلك لاعتبارات تتعلّق بالهيكل العام لمؤسسات البترول المملوكة من الدول.
وبهذا المعنى، فإنّ القرارات التجارية التي تتّخذها مؤسّسة البترول الكويتية لا تعبّر عن قرارات الحكومة وإن كانت تندرج في إطار إستراتيجية حكومية. النقص في الخلفية الثقافية القانونية يدفع للتعامل بهذه الطريقة مع المؤسّستين. وكان الأجدر بالوزير أن يميّز بين العقود من دولة لدولة، وبين تلك التي تحصل بين دولة وبين مؤسسة تجارية مملوكة من الدولة. صحيح أنّ الفقرة الخامسة من المادة 46 تنصّ على «التعاقد مع أشخاص القانون العام» ومؤسسة البترول الكويتية التي تتمتّع بشخصية اعتبارية مستقلّة ليست من أشخاص القانون العام، وفق التعريف الدقيق.
وقد تكون هذه المؤسسة الكويتية ممثّلة لدولة الكويت، إلا أنّ واجب نشر الثقافة القانونية يستدعي أيضاً إفادة الوزير عن قواعد التمثيل القانونية التي تفترض أن تقدّم ضمن الملف المرسل المتعلّق بموافقة مؤسسة البترول الكويتية على تقديم شحنة للبنان نصفها هبة ونصفها بثمن مدفوع، نسخة من القرار الحكومي الذي يمنح الهيئة تمثيل الحكومة الكويتية حتى تنطبق عليها أحكام الفقرة الخامسة من المادة 46 من قانون الشراء العام للتعاقد معها بالتراضي.
لا مانع عندها من القيام بذلك مع دولة شقيقة، لكن من باب الشفافية يجب القيام بذلك. وهذا ما يثير سؤالاً أساسياً: هل يتضمّن الملف قراراً من حكومة الكويت بالتعاقد مع مؤسسة كهرباء لبنان لبيعها 66 ألف طن متري من الفيول، لأنّ الملف الوارد إلى مجلس الوزراء اللبناني والذي استُند إليه لاتخاذ القرار، يشير إلى تلقّي الوزارة بريداً الكترونياً من مؤسسة البترول الكويتية!
طبعاً، لا يجب إغفال حقيقة أساسية، وهي أنّ العقد مع العراق كان عقداً من دولة لدولة، وكان عقداً يتمتّع بكل مواصفات العقد الرضائي القانوني. وأنه كان يؤمّن للبنان القدرة على إنتاج الكهرباء. لكن بعبقرية فذّة، انتهى الأمر بالمسؤولين إلى القول إنّ العقد كان مكلفاً على لبنان، وإنّ ما يدفعه المواطن عبر الخزينة هو غير ما يدفعه عبر مؤسسة كهرباء لبنان.
يفترض تذكير وزير الشركات الاستشارية، بأنّ دافع الضرائب واحد في الحالتين، وأنه لا مجال للتذاكي في هذا الأمر. فما ورد في «الأخبار»، هو أنّ الكهرباء لا تُنتَج مجاناً بل تحتاج إلى فيول له ثمن، ولو كان نصفه مجاني من الكويت، أو من الجزائر أو من أي دولة أخرى. فهل يهتمّ الوزير بإنتاج المزيد من الكهرباء وتقديم نموذج مستدام لتمويل تشغيل المعامل، أم أنه ينتظر هبة أخرى، أو بالأحرى التسوّل مجدّداً من دولة أخرى، للحصول على الفيول؟