ميسون شباني - RT
قارئ نهم للتاريخ، عرفته معظم خشبات المسرح في سوريا وخارجها، كما عُرف بأدائه المسرحي المتمكّن باللغة العربية الفصحى، وهو ما ظهر في أدواره في الدراما التاريخية.
الفنان يوسف المقبل الشاهد على كثير من التحولات والانعطافات في الدراما السورية، من تلفزيون ومسرح في تفاصيل هذا الحوار:
- في ظل المتغيرات التي تعصف بالدراما السورية، كيف تقرأ واقعها اليوم؟
أصيبت الدراما السورية في السنوات الأخيرة بآفة مرعبة، هي الكارثة نفسها التي أصابت الدراما المصرية، وهي اعتماد العمل على "النجم الواحد".. ونحن الآن بموجة الشباب الجدد، والنجوم الشباب الذين نعتز بهم، ولكن هم يسهمون بشكل أو بآخر بخراب الدراما السورية، فالممثل النجم لا يفرض نفسه على المسلسل فقط، بل على تفاصيله من مخرج وفنانين.. وأود أن أشير إلى فكرة هامة؛ أن ما يتحكّم بالعمل الفني هو "الحكومة العميقة أو حكومة الظل" أي شركة الإعلان، وليس المنتج أو المخرج أو الممثل أو المحطة، وهي من تفرض إعلان منتجها ضمن عمل درامي يقوم ببطولته هذا الممثل ويخرجه ذاك المخرج وحتى الموضوع.. الآن بدأنا نحس بهذه الكارثة حقيقة وبات المسلسل يُفصّل للنجم وكل الخطوط الدرامية هي لخدمة هذه الشخصية وهذا ينذر بالخراب.. ثم أتت موجة المسلسلات المعربة لتزيد الطين بلّة بإشراف (mbc) التي تسهم بتخريب الذوق العام.. فمسلسل تابعناه بالتركي لماذا تعريبه؟؟ أما الدوبلاج فلست ضده، وإنما ضد تعريب هذه الأعمال.
هناك بعض المستفيدين من النجوم، ولكنهم أسهموا بشكل أو بآخر بتخريب هذه الدراما بتدمير الدراما العربية والدراما السورية تحديدا التي كان فيها مواضيع مهمة لا تجرؤ أي دراما عربية أو تركية على طرحها، وكنا نتابع بعض المسلسلات التركية في بداية الأعمال المدبلجة: بعض من قصص الحب الفاشلة وعصابات تهريب والمافيا، لكن لا يوجد موضوع.. في الوقت الذي أنتجت فيه سوريا: الولادة من الخاصرة وغزلان في غابة الذئاب ولعنة الطين ودقيقة صمت.. هذه المسلسلات فيها مواضيع حارة جدا تهّم الناس، ولم يسبق أي دراما عربية أن منعت التجول في الشوارع مثلما عملت الدراما السورية، قديما كانت الدراما التلفزيونية العربية عبارة عن دراما إذاعية مصورة وأتت الدراما السورية لتنقل الدراما من إذاعة مصورة إلى سينما، هذه النقلة النوعية عززّها المخرج نجدة أنزور عندما قدم مأثرة "نهاية رجل شجاع" ومن بعدها: الجوارح والكواسر وإخوة التراب... وكله بلغة سينمائية بصرية مختلفة، والآن أعتقد أننا نرجع إلى عهد الإذاعة المصورة فلا حرارة ولا حيوية في الأداء ولا نص مهم، والإخراج ليس تقطيع المشهد وتوزيع الكاميرات، بل الإخراج تقديم وجهة نظر إبداعية فكرية جمالية تجاه المجتمع، فكيف أقرأ نصي للناس التي تشاهد والمخرج الذكي هو الذي يقرأ المتلقي لديه.. قديما إذا فوت المشاهد حلقة يصاب بالخيبة.
- برأيك هل قرب اللهجة السورية من اللغة العربية الفصحى سهل انتشارها؟
كل الأعمال التي قُدمت باللغة العربية الفصحى وحملت بصمة السوريين سببها تميّز الفنان السوري، فهو أكثر فنان عربي قادر على تقديم اللغة العربية كلهجة قريبة إليه، وهي أساسا لها علاقة بلهجة بلاد الشام، والتي هي أقرب إلى اللغة العربية الفصحى، أذكر عندما بدأنا نصور في المغرب العربي كنا معروفين بمسلسلاتنا السورية والتاريخية، وهناك من قال أن اللغة العربية تشكّل حاجزا بين العمل والمتلقي لكن مسلسلاتنا كسرت القاعدة فمثلا مسلسل: البركان والكواسر والجوارح كلها بالفصحى منعت التجوال حين عرضها وحتى مسلسل الجوارح عندما كان يعرض بعد الإفطار طلب بعض شيوخ الجوامع تأجيل عرضه لأن لم يعد هناك من يذهب إلى صلاة التراويح..
- برأيك هل كان سبب انتشار صوت الفنان السوري هو دوبلاج الكارتون؟
أول ما بدأنا في الدوبلاج كان عبر دوبلاج الكارتون التعليمي والترفيهي وكان باللغة الفصحى لتعزيز ثقافة الطفل، والبدايات عبر مركز الزهرة وصنّعنا مسلسلات لها أثرها الكبير على مختلف الأجيال والشرائح، فمن ينسى: الكابتن ماجد وصراع الجبابرة وداي شجاع ولحن الحياة وريمي.. كل العائلة تتفرج على الكارتون وسرّ المتابعة هو أداء الفنان السوري الذي كان يعيش الحالة ويغدق كل ما يحمله من مشاعر وأحاسيس على شخصياتها، الآن ذهبنا بتقنية التسجيل الصوتي المنفرد الذي لا يكون فيه تعايش مع مجموعة الممثلين فصار هناك نظام (الشانلات)، وكل واحد يسجل صوته ويذهب وتتم بعدها عملية التجميع والمكساج.
- برأيك هل فقدنا روح الحميمية في الدوبلاج ؟
ليس فقط في الدوبلاج بل في الدراما التلفزيونية أيضا، والدليل كان هناك تقليد في الدراما وهو بروفة الطاولة وفيها نقوم ببروفة عامة للمسلسل كاملا ومن خلال هذه البروفة نتعرف على الموجودين في العمل، كنا نأخذ النص كاملا مهما كان عدد مشاهدك تقرأ لتعرف الشخصيات المرتبطة بالشخصية التي تؤديها، الآن أتفاجأ بأسماء الشخصيات ب(اللوكيشين) وكسل الممثلين هو السبب لأنه نادرا ما يأخذ ممثل نص المسلسل، وهو ما يفقد روح العمل، أنا أقرأ المسلسل كاملا لأن ذلك يعزز من بناء الشخصية التي أقدمها.. الاستسهال وعدم الاهتمام أوصلنا إلى هنا، وأود أن أنوه أنه خلال 14 عاما من الحرب استبيحت المهنة وبتنا نشاهد ممثلين لم نسمع بهم، والمعهد العالي يخرج ممثلين لا نراهم في أي موقع تصوير، ونشاهد أناس لا علاقة لهم بهذا الفن، وكل من أعجبه التمثيل من الشارع يدخل المهنة، وبتنا نرى مشرف الملابس ومهندس الديكور وفني الإضاءة مخرجين لأنهم استسهلوا المسألة.. في السابق كنا نفخر بأسماء مخرجين سوريين مثل: علاء الدين كوكش وغسان جبري وحاتم علي وهيثم حقي.. الآن نعمل مع مخرجين مرغمين من أجل لقمة العيش والنص بلا فحوى والتمثيل لا علاقة له بالأداء.
- المسرح مكان لاختبار الممثل والنص العالمي حاضر دائما أين النص السوري؟
آخر عرض مسرحي قدمته كان (تصحيح ألوان) والسبب الأساسي لهجرة المسرح، هو المسألة الاقتصادية فما نأخذه لا يغطي أجور النقل وأحصل بيوم تصوير واحد ما يعادل شغل المسرح لثلاثة أشهر، هذا يجعل الناس تهجر المسرح.. في فترة الثمانينات والتسعينيات كانت الأجور نسبة إلى المعيشة معقولة، والممثل يقدم في العام مسرحيتين على الأقل، وكان لدينا موسم مسرحي مزدحم، وقتها كان الوضع الاقتصادي مريحا، وهناك رواتب شهرية، ولكن المسرح في سوريا قائم على جهود أشخاص فقط، والدولة تقول لديها مسرح ولكن لا توليه الأهمية المطلوبة، وبالمناسبة سوريا من الدول المتقدمة في المسرح ولا مهرجان تشارك به إلا ونحصل على جائزة، وأول سنين الحرب كان هناك حصار على المسرحيين السوريين واكتشفوا أن أي مهرجان عربي بلا المسرح السوري هو مهرجان خاسر فاضطروا لدعوتنا.
- ماهو مستقبل الدراما السورية ؟
هناك خطاب مبشر جيد يعطينا الأمل بأن القادم جيد والثقافة جزء من مشروع متبنى من السلطة الجديدة، ولكن السلوكيات لا تبشر بالخير، وأن ما يتم تصريحه لا علاقة له بالواقع، وهذا الشرخ الكبير يتسع بشكل متواتر، وأنا أشفق على الأجيال الجديدة في الوقت الذي كان مهرجان دمشق المسرحي فاعلا وقبلة للمسرحيين العرب، تحّولت دول الخليج إلى قبلة للمسرحيين الجدد، وهناك قناعة للقائمين على الثقافة في الإمارات أن الفنان السوري هو فنان مختلف باعترافهم، فالمسرح السوري يتميز عن كل المسارح العربية وعروضنا تحمل همّ ووجع الناس.. عندما يحضر عرض مسرحي سوري في المغرب العربي يشهد اكتظاظا وحضورا قويا، ولغة المسرح لدينا لغة مختلفة وهي بعيدة عن البذاءة وثقافة التريند التي يروج لهما في كل الفنون الدرامية، وهذا تدمير ممنهج للثقافة الحقيقية التي تُعنى ببناء الإنسان.. المسرح هو لغة حوار لذلك حُورب من كل الأنظمة في العالم وهو اجتماع حر لتعاطي ما يجري في الشارع بحرارته لذلك يخافون منه.