إيهاب زكي/ موقع العهد الإلكتروني
بمجرد إعلان ما يُسمى"الكابينيت" إقرار احتلال قطاع غزة، اندلع تسونامي من دعوات تسليم السلاح، لفصائل المقاومة في غزة، وانسحاب حماس من المشهد السياسي لمستقبل غزة وفلسطين، وكلها دعوات تحت راية الحرص على غزة، والخوف على القضية الفلسطينية من الاندثار.
على الرغم من أنّه قبل السابع من تشرين أول/أكتوبر، كانت مندثرة وفي حالة موت سريري، إذ كانت الإستراتيجية التي نجح ترمب في فرضها على العرب، هي التطبيع بغض النظر عن مصير القضية الفلسطينية، وهو استسلام مطلق تحت لافتة اتفاقيات "أبراهام".
هذا التسونامي ليس منقطعًا عن مجريات الأحداث والوقائع في عموم الإقليم، إنّما هو سياق عام، في محاولة أمريكية لاستغلال اللحظة الراهنة، فوصل التسونامي إلى لبنان، حيث قرار حكومي بضرورة تسليم حزب الله سلاحه للدولة، ورغم استحالة تحقيق هذا الهدف، فإنّ مجرد وجود قرار حكومي بذلك، يخلق أزمة داخلية.
كذلك وصلت دعوات التخلي عن السلاح إلى العراق، فالولايات المتحدة، تعتبر أنّها على حافة الفرصة الأخيرة، للحفاظ على تسلطها وتفردها في قيادة العالم لقرنٍ جديد، وترى في تفويت هذه الفرصة خطوة بالغة الخطورة، على مستقبل هيمنتها ونفوذها، خصوصًا مع وجود أطرافٍ لا تنوي الرضوخ بالقوة، وبالتالي يجب استخدام المزيد من القوة.
لكن الحقيقة؛ أنّ هذا التغول الأمريكي لا يشي إلّا بالتأزم وليس العكس، حيث إنّ أمريكا لا تمتلك الوقت الكافي للتأجيل، أو استخدام منطق الخطوة خطوة، كأنّها تدرك أنّها في سباقٍ مع الزمن، وأنّ هناك من يلاحقها، لينتزع منها عرش العالم، فيما عادة الإمبراطوريات أنها تمتلك الكثير من الوقت، والكثير من الخطط(ب.ج.د).
كذلك الكيان الذي يشعر بحرج الوقت، لذا يعيد إنتاج السرديات القميئة ذاتها عن قرب الانتصار الذي يلاحقه منذ ما يقارب العامين، دون التمكن من اللحاق أو الإمساك به، وفي مسرحيةٍ استعراضية، خرج نتنياهو في مؤتمره الصحفي ليعيد السردية القميئة ذاتها، تحت وطأة جرائمه المتعاظمة والمتكررة، وداخل هالة ما اعتبره إنجازات، منَّن بها حكومتي سورية ولبنان.
إعلان ما يسمى"الكابينيت"، يأتي في هذا السياق، رغم أنّه كلام مكرر على لسان نتنياهو عشرات المرات، فإنّه هذه المرة أضاف فخًّا جديدًا، اسمه احتلال قطاع غزة أو كما سمّاه من باب التهرب القانوني (سيطرة)، والكيان عمليًّا يسيطر بريًّا على ما يقرب من 75% من قطاع غزة، ويسيطر جويًّا وبحريًّا على ما نسبته 100%، كذلك يسيطر ناريًّا على ما نسبته 100%، ويسيطر على الحدود بنسبة 100% أيضًا.
لكن هذه السيطرة شبه الكاملة، لم تمنحه نصره المطلق الذي يلاحقه منذ عامين تقريبًا، والاحتلال الكامل لقطاع غزة لن يمنحه نصره الموهوم؛ لأنّ ما عجز عن فعله على مدار عامين، وفي ظل مشروعية دولية وداخلية، ومشروعية سياسية و"أخلاقية"، وكذلك حسب السردية الصهيونية، واستنفار معنوي لقواته وحافزية عالية، لن يستطيع تحقيقه في ظل انعدام مشروعية عدوانه دوليًّا وداخليًّا، وفقدان الشرعية السياسية و"الأخلاقية"، وتهشيم معنوي لقواته وفقدان الحافزية.
وعليه فالتهويل باحتلال قطاع غزة هو منافٍ للحقيقة؛ الحقيقة التي تنطبق على الواقع، والذي هو الاحتلال واقع فعليًّا، وهو مجرد استعراض لفظي، قد تكون له أهداف سياسية أكثر منها عسكرية، وهذا التسونامي من الدعوات لتسليم السلاح قبل فوات الأوان، قد يكون أحد أهداف الإعلان، كما قد يكون من أهدافه الحفاظ على تماسك حكومة نتنياهو المتأرجحة.
إيهام العالم بأنّ ما جرى من إبادةٍ واحتلال خلال عامين، كأن لم يكن، وفي حال تراجع نتنياهو عن تلك الخطوة، سيعطيه صك براءة عن كل ما سبق، باعتباره استجاب لدعوات المجتمع الدولي، كرجلٍ ديمقراطي يرأس حكومة ديمقراطية في دولةٍ منارةٍ للديمقراطية في غابة الشرق الأوسط المتخلفة والموحشة، وغيرها من الأهداف التي ليس منها بالقطع تحقيق النصر المتوَّهم.
لم تعد الفصائل في غزة تمتلك ترف التفكير بخطوة تسليم السلاح، فهذا استسلامٌ لا يليق بتضحيات شعبٍ فقد كل شيء. إنّ الاستسلام يعني أنّ اللعنات ستطارد هذه الفصائل حتى قيام الساعة، فبعد أن دفعت غزة كل هذه الأثمان، ودفعت ساحات المقاومة في لبنان وسورية واليمن والعراق وإيران هذه الأثمان، لن يقبل منهم الشعب والوطن والتاريخ استسلامًا.
أمّا الداعين للاستسلام تحت سيوف الخوف، فهم أول من سيهاجم المقاومة في حال استسلامها، وسيهاجمها في كل حال، لذا فلا خيار أمامها إلّا الصمود والمضيّ حتى أبعد نقطة، فمن أطلق طلقة السابع من تشرين الأول/أكتوبر التي غيّرت وجه العالم، لا يمتلك ترف إعادة الطلقة إلى مخزنها.