أوراق ثقافية

جوزيف ساسون.. كيف حكمت السلطوية الجمهوريات العربية؟

post-img

كيف تعمل الأنظمة السلطوية في العالم العربي؟ وما أساليبها في التحكم بالحزب الحاكم والمؤسسات العسكرية والأمنية، وفي إدارة الاقتصاد والمجتمع؟ أسئلة مركزية تكشف عن تعقيدات النظم السياسية التي حكمت جمهوريات مثل العراق وسورية ومصر وتونس والجزائر، وتبرز الحاجة إلى أدوات تحليلية تتيح فهم الديناميات الداخلية للسلطة.

في محاولة للإجابة عن هذه الاسئلة، صدرت حديثًا عن دار رياض الريس في بيروت ترجمة كتاب "تشريح السلطوية في الجمهوريات العربية" لأستاذ التاريخ والاقتصاد السياسي في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون، جوزيف ساسون، التي أنجزها الباحث رضوان زيادة. يعتمد الكتاب على مذكرات شخصيات مؤثرة داخل السلطة وخارجها، من زعماء وقادة حزبيين وعسكريين، إلى معارضين وسجناء سياسيين، مقدّمًا قراءة لكيفية عمل هذه الأنظمة وتفاعلها مع القوى المختلفة داخل الدولة والمجتمع.

حشد الجماهير وإخضاع المعارضين

يركّز ساسون على طبيعة دور الحزب الحاكم، سواء في الدول ذات الحزب الواحد، مثل العراق وسورية، أو التعددية الحزبية كما في مصر وتونس، موضحًا كيفية استخدام هذه الأحزاب لضمان استمرار السلطة، فضلًا عن هيكلة الجهاز التنفيذي وإدارة النزاعات الداخلية. ويتناول الكتاب أيضًا المؤسسة العسكرية باعتبارها عنصرًا حيويًا في استدامة الأنظمة، موضحًا أن معظم الزعماء العسكريين حافظوا على ارتباطهم بالجيش بعد توليهم الحكم، مع إبراز دور النزاعات المسلحة في تقوية الأنظمة السلطوية عبر حشد الجماهير وإخضاع المعارضين.

يُوضّح الفصل الرابع دور الأجهزة الأمنية، التي اعتمدت على الاعتقال والتعذيب والمحاكمات لتطويق المعارضة، مع تسليط الضوء على عمق اختراق المخابرات للمجتمعات، وهو ما برز بشكل واضح في مذكرات المسؤولين والسجناء السياسيين على حد سواء. ويتناول الفصل الخامس الاقتصاد والسياسات المالية، موضحًا أن القادة العرب أعطوا الأولوية للبقاء في السلطة على حساب الإصلاح الاقتصادي، ما أدى إلى رسوخ الفساد وانتفاع النخب السياسية والاقتصادية منه.

أما الفصل السادس، فيركز على تقديس القائد، ويكشف عن القواسم المشتركة بين زعماء الجمهوريات العربية الذين حكموا لفترات طويلة، والذين اعتقدوا أنهم حاملو رسالة مقدّسة لشعوبهم، مستفيدين من ولاء الحاشية والمقرّبين، بينما كان انعدام الثقة بالآخرين سائدًا بينهم، وهو ما أثّر بطريقة اتخاذ القرار وتدبير السلطة. ويظهر الكتاب كيف أثرت الحروب ومحاولات الاغتيال والشيخوخة على سلوك الزعماء واستراتيجيات حكمهم، مؤكدًا أن تقديس القائد شكل أداة مركزية لتعزيز سلطتهم وجعل معارضتهم شبه مستحيلة.

يطرح الكتاب أيضًا إمكانية الاستفادة من تجربة العراق بعد عام 2003 لدراسة مرحلة ما بعد السلطوية، مشددًا على أن الانتقال السياسي دون انتقال اقتصادي حقيقي يزيد احتمالات سيطرة المصالح القديمة على العملية السياسية مرة أخرى. ويختتم ساسون كتابه بالفصل السابع، الذي يعالج التحولات التي شهدتها الجمهوريات العربية بعد عام 2011، مع التركيز على تونس نموذجًا ناجحًا نسبيًا للتحول السياسي، وتحليل التحديات المرتبطة بإدارة الحكم، والعلاقة بين الدولة والدين، والاقتصاد، والفساد، ومواجهة الماضي.

 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد