اوراق مختارة

تطوّر أكاديميات كرة القدم في لبنان… فورة عابرة أم مشروع نهضوي؟

post-img

سامر الحلبي (صحيفة الديار)

على هامش الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة، تنمو في لبنان ظاهرة رياضية لافتة قد لا تتصدّر العناوين اليومية، لكنها تترك أثرًا عميقًا في مستقبل اللعبة: ثورة الأكاديميات الخاصة لكرة القدم. ففي بلد يعاني غياب التخطيط الكروي وتهالك البنى التحتية، ظهرت الأكاديميات كبديل واقعي ـ وربما وحيد ـ لصناعة جيل جديد من اللاعبين، وسط تساؤلات جدية: هل نحن أمام مشروع نهضوي حقيقي؟ أم فورة عابرة محكومة بالفوضى وغياب الرقابة؟

خلال السنوات العشر الأخيرة، ارتفع عدد الأكاديميات الخاصة في لبنان إلى أضعاف ما كان عليه قبل 2010. البعض يتحدث عن أكثر من 200 أكاديمية ناشطة تتوزع بين المدن والقرى، من الشمال إلى الجنوب. المفارقة أن معظم هذه الأكاديميات تأسس بعد 2019، أي في ذروة الانهيار المالي.

والسبب انهيار قطاع الناشئين في الأندية التقليدية ورغبة الأهالي في تأمين بيئة رياضية سليمة لأطفالهم وتحوّل الأكاديميات إلى مشروع تجاري قابل للحياة رغم الأزمة وغياب أي رعاية رسمية أو خطط اتحادية.

الأكاديميات الأفضل تجهيزًا باتت توفّر ما لا يستطيع نادي من الدرجة الأولى توفيره: مدرّبون حاصلون على رخص آسيوية وأوروبية وملاعب اصطناعية حديثة وبرامج لياقة بدنية وورشات تغذية وعناية نفسية ومشاركات في بطولات خارجية (قبرص، تركيا، الإمارات).

لكنّ المشهد ليس ورديًا كله؛ إذ يعاني الكثير من الأكاديميات من مدرّبين غير مؤهلين وغياب مناهج تدريبية واضحة واستغلال مالي عبر رسوم مرتفعة وافتقار لبرامج كشف المواهب وتطويرها طويل المدى.

لا يوجد في لبنان قانون أو آلية ترخيص صارمة تنظم عمل الأكاديميات. ما يحصل فعليًا هو سوق حر بالكامل أي شخص قادر على استئجار ملعب وشراء 20 كرة يستطيع تأسيس أكاديمية والاتحاد اللبناني لكرة القدم لا يراقب المناهج التدريبية ولا توجد معايير لأعداد اللاعبين أو سلامة التجهيزات زلا آلية لضمان حقوق الأطفال أو الأهالي. وهنا يبرز السؤال الأخلاقي: هل تحوّلت كرة القدم إلى تجارة أكثر مما هي مشروع رياضي؟

هل تُنتج الأكاديميات نجوماً؟

رغم كثرة الأكاديميات، لا تزال مخرجات المواهب محدودة. الأسباب انقطاع المسار بين الأكاديمية والنادي المحترف وهجرة المواهب باكرًا مع عائلاتها وضعف الدوري اللبناني وصعوبة الاحتراف داخليًا وغياب نظام التعويض عن التدريب الذي يسمح للأكاديميات بجني أرباح عند احتراف لاعبيها.

ومع ذلك، بدأت بعض الأكاديميات بإظهار أسماء واعدة، لعل أبرزها مواهب حجزت مكانها في منتخبات الفئات العمرية.

بعض الأكاديميات الكبرى تعمل كـ"منظومات صغيرة" مثل مدارس صيفية وتنظيم بطولات داخلية وتعاون مع أندية أوروبية وبناء شبكات كشف للمغتربين. وهو ما يجعلها تقوم فعليًا بدور الاتحاد، ولكن من دون بنية وطنية موحدة.

أكاديميات كرة القدم في لبنان: ما هي أهميتها؟

ومتابعة لهذا الموضوع الشائك يقول المدرب في نادي جويا والأخصائي الكروي عبد زين لـ"الديار": "من حيث المبدأ، وجود أكاديميات كرة القدم في أي بلد هو عنصر أساسي لتطوير اللعبة لأنها المكان الطبيعي لاكتشاف المواهب وتدريب الفئات العمرية بأسلوب علمي. لكن في لبنان تحديدًا، الصورة مختلفة تمامًا بسبب غياب الرقابة، ضعف الاحتراف، وعدم وجود نظام وطني واضح لهيكلة العمل.

وهل تنتج الأكاديميات اللبنانية نجوماً؟ بصراحة: الأغلبية الساحقة لا...معظمها مشاريع خاصة هدفها الأساسي الربح المادي وليس صناعة لاعبين. والسبب؟لا يوجد برنامج تدريبي سنوي واضح. والمدربون غالبًا غير مؤهّلين. والتركيز على “التسجيل الشهري” بدل التطوير. وغياب مسابقات حقيقية تقيس مستوى اللاعبين والنتيجة: اللاعب يتدرّب سنوات… وبالنهاية لا يقترب من مستوى لاعب أكاديمي محترف بخارج لبنان".

يتابع زين اذا كانت تشكّل الأكاديميات رديفًا للأندية وخزانًا للمواهب؟ يقول "نظريًا: نعم. في الواقع اللبناني: نادر جدًا... الأندية تبحث عن لاعبين جاهزين، وليس عن لاعب من أكاديمية بحاجة لإعادة بناء من الصفر ومعظم الأكاديميات لا تربطها خطط مشتركة مع الأندية، وما يحصل غالبًا هو: اللاعب يدفع شهرياً، يكبر سنة بعد سنة، وفي النهاية لا يجد طريقًا لفريق محترف.

أبرز الإيجابيات (القليلة): رغم كل المشاكل، هناك بعض النقاط الإيجابية: تعطي الأطفال مكانًا آمنًا لممارسة الرياضة. وتُبعد الأولاد عن العادات السيئة والتسكع في الشوارع وتبعث بعض الاحترافية البسيطة (نظام تمرين – انضباط – مسابقات بسيطة). بعض الأكاديميات الجدية (وهي قليلة جدًا) تُخرّج لاعبين جيدين. لكن مقارنة بدول مثل المغرب، قطر، الإمارات، العراق، الأردن… المستوى متواضع جدًا".

يواصل: "أبرز السلبيات (وهي السبب الحقيقي للتراجع): الهدف ربحي وأغلب الأكاديميات تُدار كـ”بيزنس”، لا كـ”مشروع تطوير مواهب” والأولوية للعدد وليس للجودة. اضافة الى غياب المدرب المختص، أي شخص لعب كرة قدم “بشكل عابر” يصبح مدرب أكاديمية! لا شهادات – لا مناهج – لا تدريب علمي. لا برامج واضحة وغياب: خطة سنوية وتقييم لكل لاعب وبرنامج لياقي وبرنامج مهاري وبرنامج قوة بدنية واختبار قدرات وتقارير دورية ومجرد تمارين عشوائية.

ولا ننسى فوضى البطولات اذ ان معظم البطولات غير رسمية، لا مستوى حقيقي، ولا اختبار فعلي لمدى تطوّر اللاعب. وغياب الرقابة لان اتحاد الكرة لا يفرض شروطًا صارمة على الأكاديميات: لا تراخيص حقيقية لا فحوصات لا متابعة لا لوائح أي شخص يمكنه فتح أكاديمية في أي ملعب".

يختم: "هل يمكن الاستفادة منها لرفع مستوى اللعبة؟ وكيف؟ نعم… لكن بشرط إعادة هيكلة كاملة: وضع نظام وطني لتصنيف الأكاديميات

حسب: نوع المدربين والمناهج والنتائج والاتفاقيات مع الأندية وعدد اللاعبين الذين وصلوا لمستوى محترف. ويجب إلزام كل أكاديمية بمدربين معتمدين يحملون شهادات آسيوية – خبرات – تقييمات سنوية.

ودمج الأكاديميات رسميًا بالأندية فكل نادٍ يجب أن تكون لديه أكاديمية رديفة حقيقية—not just اسم. إقامة دوري وطني للفئات العمرية وبطولات منظمة، مستويات واضحة، تقييم للاعبين. ووضع برنامج تدريبي موحّد لكل الفئات حتى تكون هناك هوية لعب وطنية. دعم حكومي/بلدي للمدارس والملعب حتى يكون هناك بنية تحتية تساعد

خلاصة صريحة ومباشرة الأكاديميات في لبنان من حيث الفكر المفترض مهمة جدًا لكن في واقعنا: أغلبها مشاريع تجارية لا تهدف لصناعة لاعب محترف، بل لتحصيل الأقساط الشهرية. وما لم يكن هناك: رقابة ومنهج ومدرب مؤهل ونظام وطني فلن تكون الأكاديميات أكثر من “مصلحة” وليست مصنع لاعبين".

يمكن القول إن الأكاديميات أحدثت تغييرًا كبيرًا في طريقة ممارسة كرة القدم في لبنان. أطفال اليوم يتدربون أكثر، وأفضل، وفي بيئة أقرب إلى الاحتراف مما كان عليه الوضع قبل عشرين عامًا.

لكن هذه الثورة ما تزال صامتة، لأنها بلا استراتيجية وطنية وبلا صندوق تمويل وبلا بنية تحتية عامة وبلا رؤية موحدة لإنتاج لاعبين محترفين.

الخلاصة

قد تكون الأكاديميات اليوم الأمل الأخير لمستقبل كرة القدم اللبنانية، لكنها تبقى مشروعًا ناقصًا ما لم يتحول هذا النشاط الواسع إلى منظومة وطنية واضحة. فإما أن تُنظَّم هذه الثورة الصامتة، أو تبقى مجرد حركة عشوائية تُهدر معها مواهب جديدة تضيع كما ضاعت أجيال كثيرة قبلها. 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد