اوراق مختارة

هل تستفيد النبطية من فرصتها لتكون مدينة نموذجيّة بأسواقها الأثريّة والتجاريّة؟

post-img

علي ضاحي (جريدة الديار)

لم تسلم مدينة النبطية وسوقها التجاري من إجرام العداون الإسرائيلي من 24 ايلول حتى 27 تشرين الثاني 2024.

وللنبطية اثر جميل في ذاكرة وحنين وذكرى جميلة ووجدان الجنوبيين، وما تمثله من دورها وموقعها الجغرافي والعمراني، ونقطة الوصل بين عشرات القرى المترامية حولها ومن خلال سوقها الاثري، اي سوق الإثنين والذي تأسس في العام 1910، ليكون محجّة المزارعين والتجّار والحرفيّين من أهل الجنوب كلّ يوم إثنين.

وتفيد روايات متناقلة شعبياً وتراثياً، ان سوق النبطية الاثري له تاريخ موغل في القدم يعود ايضاُ الى عهد المماليك حيث كان الناس يأتونه من مختلف مدن لبنان وفلسطين وسوريا.

وخلال العدوان المستمر بأشكال مختلفة يومياً، استهدفت البربرية الإسرائيلية مدينة النبطيّة بـ 300 غارة خلال شهرين من العدوان.

ودمر العدو السوق على مرحلتين: الاولى في قصف مباشر مساء السبت 12 تشرين الأوّل 2024.

 والثانية: حيث استكمل التدمير لاحقًا، حتّى مسح ما تبقّى منه بسلسلة غارات في 14 تشرين الثاني. كما شمل التدمير المحال التجاريّة على طريق النبطيّة مرجعيون، ودمّرت أجزاء واسعة من أحياء المدينة السكنيّة، ومقرّها البلديّ حيث استشهد غالبية أعضاء خلية الأزمة أثناء عملهم على توزيع المساعدات.

ويفيد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)ان في منطقة النبطية تضرر

27%  من المؤسسات التعليمية، و82%  من مرافق الكهرباء العامة و33%  من مرافق المياه.

وبلغت حصّة النبطية من كل الأضرار في لبنان بـ3.2  مليار دولار (47%).

وقدرت حصّة النبطية من الخسائر الاقتصادية اللبنانية بـ2  مليار دولار (28%).

بينما قدرت احتياجات إعادة إعمار النبطية بـ 4.74  مليار دولار (43%).

في المقابل يشير تقرير آخر أشار إلى أن أكثر من 100,000 وحدة تجارية وسكنية تضررت أو دُمّرت، مع خسائر مباشرة وغير مباشرة تتجاوز 4 مليار دولار.

ورغم كل ما تقدم لا تزال النبطية بسوقيها التجاري والاثري تعاني من القصور الرسمي بسبب العجز لدى الدولة والحكومة اللبنانية في إيجاد التمويل اللازم لإعادة الإعمار في الجنوب عموماً وفي النبطية خصوصاً.

ويرجع البعض من المعنيين لـ"الديار"، هذا القصور الى أنه نابع عن تقصير رسمي، وربما غياب القرار الصادق في إعادة الإعمار، وكذلك وجود فيتو اميركي وصهيوني، وتواطؤ عربي وخليجي لإعادة الإعمار وربطه بسلاح ودور حزب الله في الجنوب ولبنان.

جهود محلية ودينية

ووفق معلومات "الديار" وبناء على تقاطع لعدد من الشهادات المستقاة من ارض الواقع، مدينة النبطية وسوقها التجاري والاثري وكل القرى المحطية امام فرصة ذهبية لإعادة إعماره بطريقة تتدارك أخطاء الماضي انشائياً وفنياً وقانونياً.

فهل تستجيب الجهات المعنية والدولة لنداء المصلحة العامة وتقوم بما يلزم؟

ويكشف مهدي صادق المدير التنفيذي في النادي الحسيني في النبطية الذي يشرف عليه إمام النبطية الشيخ عبد الحسين صادق، الى ان النادي الحسيني تعاون وأطلق مبادرةً جامعةً ينضوي ضمنها كافة الطيف "النبطاني" الرسمي والاجتماعي والمختصين لتقديم دراسة موحّدة بإسم المدينة تُقدّم للجهات التي تريد الإعمار، ليأتي التنفيذ متوافقاً مع رؤية المدينة المستقبلية وملبياً لطموحات اجيالها القادمة.

وقد قامت المبادرة بإطلاق مباراة لتلامذة العمارة في الجامعات اللبنانية، وشُكلت لجنة من مهندسين وخبراء لتقديم دراسة هندسية وافية، وكذلك لجنة قانونية لإيجاد حلول للجوانب القانونية.

وقد انجزت كافة التصاميم والدراسات. وحرصت الدراسات على ابراز القيمة التراثية للسوق مع الاستفادة في الوقت عينه من الانظمة والمعايير الحديثة في انشاء المُدن والأسواق العصرية، كتأمين مواقف للسيارات، ومرور مريح وسهل للمشاة وساحات وسواها ضمن طابع معماري لبناني يشكل عامل جذبٍ للتسوّق من مختلف المناطق.

ويؤكد صادق التنسيق اللازم مع بلدية النبطية في هذا الامر وفي كافة المشاريع من إزالة الركام في الايام الاولى لانتهاء العدوان برعاية مكتب المرجع الديني السيد السيستاني. كما لفت الى تنفيذ النادي الحسيني لمشروع انارة الشارع الرئيسي في المدينة ب بـ100 عامود إنارة بتمويل من العتبة الحسينية بالتعاون مع البلدية التي تكفلت بتغذيتها بالكهرباء.

السوق الموقتة لعامين

ويكشف صادق انه وبعد العدوان الاخير، والذي اتى على معظم المحلات التحارية في السوق الرئيسي في النبطية، وبسبب تعثّر عملية اعادة الاعمار، بادر امام النبطية الى اطلاق مشروع (سوق البيدر) المؤقت الذي يهدف الى استضافة اصحاب المصالح ممن تهدمت محالهم في النبطية.

وذلك بشكل مجاني لمدة سنتين ضمن سوقٍ موقتٍ على شاكلة البيوت الجاهزة في ساحة البيدر في النبطية التابعة لأوقاف النادي الحسيني التي يشرف عليها صادق.

وبعد انجاز مقدمات المشروع وبُنيتهُ التحتية، تبنّاهُ مجموعةٌ من ابناء النبطيّة الخيّرين الذين التزموا اتمامهُ وانجازهُ بمستوىً مميّز وجاذب للتسوّق.

وأوقِفَ المشروع حوالي شهرٍ بقرارٍ قضائي، ثُمّ سُحِب القرار بعد تبيّن غايات المشروع الخيرية وهو الآن في مراحل إنجازه الأخيرة.

وفي مقابل هذه الجهود التي ليست بديلة عن دور للدولة وللمتمولين في إعادة بناء سوق النبطية النموذجي التجاري والاثري، تدعو فاعليات من النبطية عبر "الديار" الى اوسع تحرك شعبي وسياسي ونيابي وحزبي وديني واعلامي ومدني، لتسليط الضوء على مأساة النبطية، وضرورة الاستعجال في إعادة الإعمار لإعادة الحياة الى طبيعتها، والتي تعود تدريجياً رغم كل الإجرام الإسرائيلي الواقع عليها وعلى ابناء القرى المجاورة يومياً.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد