إسراء اسماعيل/ جريدة الأخبار
التغييرات في سوريا منذ سقوط النظام في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 لم تتوقف حتى اليوم. ما زالت السلطة الانتقالية تبدل كل ما يمكن تبديله، وما لا يمكن تبديله أيضًا، تماشيًا مع الرؤى الجديدة لحكام سوريا الجدد، وما يليق بمقام «الثورة» التي أنهت عهد نظام متفرّد بالحكم، وأطلقت العنان لنظام آخر لا يقل فرقًا في ما يتعلق بأحادية القرارات.
من الطبيعي أن يعمد أي نظام جديد إلى إسقاط كل ما يتعلق بسابقه، ومن السائد أيضًا أن يلاحق رموزه ويمزق صوره ويلغي كل مراسيمه ويعيد صياغتها من جديد. لكن من غير الطبيعي – كما الحال في سوريا – أن يلغي النظام الحالي تاريخ سوريا ويطمسه معالمه ليبدأ حقبة جديدة لوحده، تاريخ نشأتها هو تاريخ إسقاطه للنظام ووصوله إلى كرسي دمشق.
اليوم يتجلى ما سبق بأكثر صوره وضوحًا، عبر مرسوم رئاسي موقّع من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يحدد فيه العطل الرسمية وفقًا للمناسبات التي يحتفل بها كل السوريين. واللافت كان إسقاط ذكرى حرب تشرين التحريرية، وعيد الشهداء، من بين المناسبات السنوية، وإدراج عيد التحرير وعيد الثورة، وهنا المقصد ثورة آذار في عام 2011 ضد نظام بشار الأسد.
لمن لا يعلم، فإنّ ذكرى حرب تشرين التحريرية (6 تشرين الأول 1973) غير مرتبطة بنظام معين، ومن ينسب حربًا كهذه إلى شخص الرئيس الأسبق، حافظ الأسد، فهو جاهل بسوريّة السوريين، وبسالتهم التي سطروها في أكثر من محطة خلال العقود الماضية، بل إنّ حرب تشرين كانت نتاج أبناء الجيش السوري، الذي لم يكن أفراده يومئذٍ يعلمون شيئًا عن هوياتهم وطوائفهم، كان يرص صفوفه أمام الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، ابن دمشق ودرعا وحلب وطرطوس والجزيرة.
بموجب هذه الحرب التي شطبت من الروزنامة السورية، استعاد الجيش السوري يومها مرصد جبل الشيخ من الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح الأبيض، وأفشل كل الخطط الإسرائيلية لاستعادته. هذا المرصد اليوم هو تحت سيطرة إسرائيل نفسها، التي دحرت منه في السبعينات، وتحينت الفرصة المناسبة لاستعادته بعد سقوط النظام وإخلاء كل المواقع العسكرية، فكان دخولها إليه سهلًا بلا مقاومة، ولم تشكل بيانات الاستنكار على قلّتها رادعًا لها!
أما مناسبة عيد الشهداء في سوريا، فهي يوم وطني في 6 من أيار عام 1916، أي أنّه أقدم من نظام الأسد – في عهد الأب والابن – بعقود طويلة، ويُخلّد هذا اليوم ذكرى إعدام السلطات العثمانية لعدد من الوطنيين والمثقفين السوريين واللبنانيين على يد جمال باشا السفاح في ساحة المرجة في دمشق وساحة البرج في بيروت، كمحاولة لسحق مطالبهم بالاستقلال والحرية، وبقي السوريون يستذكرون هذا اليوم لكونه رمزًا للتضحية والنضال ضد الظلم والاستعمار.
إذًا فالمقصود بعيد الشهداء هنا هو أولئك الذين سقطوا في مجابهة المحتل العثماني، الذي أصبح اليوم الحليف التركي، والراعي الرسمي لنظام الحكم الجديد في دمشق، لذا فلا داعي للإجابة على تساؤل يتعلق بالسبب الذي أدى إلى شطب هذا اليوم من تاريخ سوريا!.
تبقى محاولات الطمس الجزئي للذاكرة السورية على هوى بلاط الملك، والساسة من حوله حبرًا على ورق، وقد ينسى السوري أو غيرهم في أي بقعة من الأرض تاريخ مناسبة ما، لكنه بالتأكيد لن ينسى كل محطات التاريخ التي أثمر نضالها دحرًا لمحتل، أو إعلاءً لكلمة حق في وجه باطل.
حرب تشرين التحريرية وعيد الشهداء، هما تجربتان سوريتان خالصتان. الأولى تعلّم أنّ إسرائيل هي كيان محتل غاصب، والثانية تذكر أنّ العثمانيين الذين احتلوا بلادنا لمدة 4 قرون أشبعوها دمًا ومجازر وتصفيات، وأجاعوا الناس في بيوتهم، وطاردوهم في الأحراش.