اوراق مختارة

معركة طائفية... دفاعاً عن «مياه تنورين»!

post-img

راجانا حمية (جريدة الأخبار)

لا تزال قضية شركة «مياه تنورين» تتفاعل، نتيجةً لقرار وزير الصحة بالوكالة وزير الزراعة نزار هاني، القاضي بإيقاف الشركة عن التعبئة، وسحب منتجاتها المعبّأة قبل تاريخ صدور القرار من الأسواق، إلى حين تبيان سبب تلوّث العيّنات التي تمّ فحصها ببكتيريا «بسودوموناس إيروجنوزا».

ففي مؤتمر صحافي أمس، رفضت الشركة نتيجة الفحوص المخبرية التي على أساسها صدر القرار، معتبرةً أنّ «العيّنة التي تمّ الاستناد إليها لم تُسحب وفقاً للأصول المعتمدة، وفي حضور أي ممثّل من الشركة، وهو ما يجعل النتائج غير دقيقة وصالحة لتبنى عليها استنتاجات».

وأسفت الشركة، على لسان مديرها العام جورج مخّول - الذي حرص طوال المؤتمر الصحافي على «بلِّ ريقه» من مياه شركته - لما صدر عن وزارة الصحة، معلنةً أنّ ما ستفعله هو البحث عن «تصحيح الخطأ» لا المواجهة، «مع الاحتفاظ بحقّنا في اتّخاذ الإجراءات اللازمة لاحترام سمعتنا ومكانتنا».

دفع المؤتمر، والبلبلة التي سبقته على موقع التواصل الاجتماعي، وزير الصحة ركان ناصر الدين، إلى الرّد بأنّ الفحوص أجريت في مختبرين اثنين (في مستشفيي رفيق الحريري الجامعي وضهر الباشق الجامعي) وبفارق زمني أثبت وجود هذه البكتيريا، مع الإشارة إلى أنّ «الفحص الأخير أظهر زيادة في التلوّث»، وفقاً لمصادر الوزارة. وعليه، صدر القرار، علماً أنّ هذا الإجراء المتّخذ في حقّ الشركة «يُلغى فوراً إذا اتّخذت كل الإجراءات الضرورية لجودة المياه وسلامتها بما يضمن صحة المواطن وسلامته».

ولكيلا يُفهم القرار بأنه ضدّ الشركة دون سواها، أعلن ناصر الدين، إرسال عيّنات أخرى من منتجات الشركة في الأسواق إلى المختبرات، مشيراً إلى أنه «بانتظار النتائج ليبنى على الشيء مقتضاه». وتوازياً، تمّ أخذ عيّنات من المنتجات العائدة لغالبية شركات المياه لفحصها، والتأكّد أيضاً من سلامتها وجودتها. وفي هذا السياق، أفادت المصادر بأنّ الوزارة أرسلت عيّنات من عبوات «مياه تنورين» كانت قد أُخذت أول أمس، «إلى مختبر البحوث الصناعية والجامعة الأميركية في بيروت، على أن تصدر النتائج في غضون ثلاثة أيام تقريباً».

«تضامن مسيحي» مع «تنورين»!

في الوضع الطبيعي، لم يكن إجراء روتيني كهذا يستدعي كل هذا الضجيج. لكنّ انحراف الموضوع عن سياقه دفع الوزارة إلى الدخول في معمعة التبريرات. فعدا عن تبريرها المتكرّر بأنّ «مياه تنورين» ليست مستهدفة، وإشارتها إلى أنه كان من الممكن أن تكون أي شركة أخرى مكانها، تكشف المصادر أنّ «ما قامت به الوزارة تحديداً في شأن تنورين، كان بناء على شكوى متكرّرة عن حالات تسمّم بالمياه، ولذا فعلنا ما فعلناه». أضف إلى ذلك أنّ «القرار أصدره وزير الصحة بالوكالة وزير الزراعة نزار هاني»، وهو ما أشار إليه بيان الوزير الأصيل، ركان ناصر الدين. وأكثر من ذلك، تفيدُ مصادر الوزارة بأنه «جرى تبليغ الشركة بالشكاوى، ولم تتفاعل مع الأمر».

بغضّ النظر عمّن أصدر القرار، ثمّة ما لا يمكن ابتلاعه في القضية المفتوحة اليوم، وهو تحوّلها من قضية صحية إلى وسيلة لشدّ العصب الطائفي. فلم تكد الوزارة تصدر قرارها، حتى قامت الدنيا ولم تقعد، باشتعال حرب افتراضية قادتها «القوات اللبنانية»، تحت عنوان الدفاع عن شركة «المسيحيين» التي يستهدفها «وزير الصحة التابع لحزب الله»، قبل أن تتوسّع الحملة لتصبح «حديث البلد».

هكذا، بسبب نتيجة فحص مخبري، نسيَ الجميع ما تعانيه البلاد من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية وحرب دائرة منذ عامين، وانقسموا بين «سياديين» مدافعين عن «حقوق المسيحيين»، في مواجهة وزير «الثنائي الشيعي» الذي يريد تدمير «مياه تنورين» بما تحمله من رمزية، عبر حملة ملفَّقة. إلى هذا الحدّ، بلغت السوريالية والإسفاف، حيث وُجد مثلاً من يعتبر أنّ القرار هو استكمال لـ«مسار تدميري» بدأ مع «المصارف وميشال مكتّف ومخابز wooden bakery»... ومن ثمّ «مياه تنورين» التي «توظّف أكثر من 600 لبناني غالبيتهم من المسيحيين».

كما وُجد من يصوّر ما فعلته الوزارة، التي «يرأسها شيعي» وفقاً للمنطق القوّاتي، على أنه استهداف، لمجرَّد أنّ الموظفين «من بيئة القوات اللبنانية». ووصل الأمر بالبعض إلى حدود التشكيك بنتائج الفحوص المخبرية «المشبوهة»، انطلاقاً من أنّ «المختبرات التي أجريت فيها الفحوص للعيّنات ليست اختصاصية لفحص المياه».

ليست مطابقة أم غير صالحة؟

تحوير النقاش وحرفه عن المسار أتى أُكله، فقامت بنتيجته حملة تضامن واسعة مع الشركة في وجه... «الفريق الآخر»، وفقاً لاصطفافات طائفية، علماً أنّ نتيجة الفحوصات الصادرة قضت بـ«عدم مطابقة المياه للمواصفات» وليس «عدم صلاحيّتها للشرب».

وفي هذا السياق، يُشار إلى وجود مواصفات واضحة، وفقاً لمؤسسة «ليبنور» (مؤسسة المقاييس والمواصفات)، ويُفترض بالشركات الالتزام بها.

ويوضح البروفسور في سلامة وتقنيات الغذاء في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، حسين حسن، أنه عندما «يكون الحديث عن مياه غير مطابقة للمواصفات، هذا لا يعني بالضرورة أن يكون الضرر من استهلاكها عالياً». ولذا «من الأهمّية في هذه الحال، كما غيرها من الحالات اتّباع منهجية تقييم المخاطر لتبيان هذا الأمر».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد