اوراق مختارة

نهر البردوني في خطر: تسرب مياه ملوثة يضاعف المخاطر البيئية والزراعية في البقاع

post-img

شانتال عاصي (صحيفة الديار)

كغيره من الأنهار، مع الأسف بدأ التلوث يجد طريقه أيضًا إلى نهر البردوني، ما يضع هذا الشريان المائي الحيوي في منطقة البقاع أمام تحديات بيئية خطرة. فقد شهد النهر مؤخرًا حادثة تسرب مياه ملوثة إلى مجراه ضمن نطاق مدينة زحلة، ما أثار قلق السكان والمزارعين والسلطات المحلية على حد سواء، نظرًا لاعتمادهم الكبير على مياه النهر لري المحاصيل والزراعة اليومية. وقد بادرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بالتنسيق مع بلدية زحلة – المعلقة وتعنايل، إلى إجراء كشف ميداني عاجل لتحديد مصدر وطبيعة هذه المياه الملوثة، وذلك في إطار جهود مستمرة لرصد وتنظيف مجاري الأنهار في البقاع، ضمن برنامج شامل يهدف إلى الحد من التلوث والحفاظ على الموارد المائية الهامة في نهر الليطاني وروافده.

جهود السلطات في رصد التلوث وتحليل عينات المياه

أكدت المصلحة أن الفرق الفنية ستأخذ عينات مخبرية لتحليل الملوثات وتحديد مصدرها، سواء كانت ناتجة من نشاط صناعي، منزلي، أو سوء إدارة شبكات الصرف الصحي. وستتيح هذه التحاليل اتخاذ إجراءات قانونية صارمة حيال الجهات المسؤولة عن التلوث بالتعاون مع النيابة العامة.

كما شددت المصلحة على أنها لن تتهاون في ملاحقة أي جهة تلوث الموارد المائية، في إشارة واضحة إلى أهمية الحفاظ على الأنهار كمورد بيئي واستراتيجي في البقاع. ويعكس هذا الاهتمام ضرورة تضافر جهود البلديات والوزارات المعنية لمراقبة مجاري الأنهار والكشف المبكر عن أي تسرب ملوثات.

نهر البردوني والزراعة في البقاع: تبعات التلوث

يمتد نهر البردوني عبر مناطق زحلة والبقاع الأوسط، ويعتبر شريانًا مائيًا حيويًا يمد الأراضي الزراعية بالمياه اللازمة لزراعة الحبوب والخضر والفواكه، ويشكل أساسًا لدعم الاقتصاد الزراعي في المنطقة. ويعتمد المزارعون بشكل كبير على مياه النهر في ري محاصيلهم، خاصة في فصل الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة وتزداد الحاجة إلى مياه نظيفة ووفيرة.

لكن تسرب المياه الملوثة إلى النهر يضع الزراعة في دائرة الخطر. فالمياه الملوثة، سواء أكانت ناتجة من مواد كيميائية صناعية أو صرف صحي أو ملوثات عضوية، قد تؤدي إلى تدهور جودة المزروعات وتقليل مردودها. فمثلاً، التلوث بالمواد الكيميائية الثقيلة أو النترات يمكن أن تتراكم في التربة وعلى سطح المحاصيل، ما يضر بصحة النبات ويقلل من قدرة التربة على الاحتفاظ بالمغذيات اللازمة للنمو.

إضافة إلى ذلك، يشير الخبراء إلى أن المياه الملوثة تهدد صحة المستهلكين، إذ يمكن أن تصل المواد الضارة إلى المحاصيل التي تُستهلك مباشرة أو تُباع في الأسواق المحلية. وهذا يشمل الخضر الورقية والفواكه التي تمتص الملوثات بسرعة أكبر، ما يجعلها ناقلة محتملة للمواد الضارة إلى الإنسان.

ولا يقتصر الأثر على الموسم الحالي فقط، بل يمتد إلى المواسم الزراعية المستقبلية، حيث يؤدي التلوث إلى تراكم المواد الكيميائية والملوثات العضوية في التربة، ما يقلل خصوبتها على المدى الطويل ويجعل إدارة الموارد الزراعية أكثر صعوبة. وهذا قد يرفع تكاليف الزراعة، إذ يضطر المزارعون إلى استخدام أسمدة ومبيدات إضافية لتعويض تدهور التربة، ما يزيد الضغط الاقتصادي على المزارع والأسرة الزراعية في البقاع.

في ضوء هذه المخاطر، يصبح من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من التلوث والحفاظ على جودة مياه النهر، لضمان استدامة الزراعة وحماية الأمن الغذائي في البقاع. فالزراعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي شريان حياة يعتمد عليه آلاف الأسر، ويشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والاقتصادية للمنطقة.

التأثير البيئي والصحي لتلوث النهر 

إلى جانب التداعيات الزراعية المباشرة، يشكل تلوث نهر البردوني خطرًا كبيرًا على صحة السكان الذين يعتمدون على مياه النهر في الاستخدامات المنزلية، مثل الغسيل والطهي، أو للأنشطة الترفيهية مثل السباحة وصيد الأسماك. فوجود ملوثات كيميائية أو عضوية في المياه يزيد من احتمالية انتشار الأمراض المائية، بما في ذلك الالتهابات البكتيرية والفيروسية، ويعرض المجتمعات المحلية لمخاطر صحية حقيقية، خاصة للأطفال وكبار السن.

ولا يقتصر الضرر على البشر، بل يمتد إلى النظام البيئي المائي، حيث تتأثر الأسماك والكائنات المائية الأخرى مباشرة بتدهور جودة المياه. فارتفاع مستويات الملوثات قد يؤدي إلى انخفاض معدلات الأوكسجين المذاب في النهر، ما يعيق نمو الكائنات الحية ويجبرها على الهجرة أو الانقراض. كما تتأثر الطيور والحيوانات التي تعتمد على النهر كمصدر غذائي أو مائي، مما يخل بتوازن البيئة الطبيعية في البقاع ويؤثر في التنوع البيولوجي بشكل عام.

ويخلق هذا التلوث حلقة مفرغة من الأضرار طويلة المدى؛ فمع تدهور النهر بيئيًا، تقل جودة المياه المتاحة للزراعة والاستخدام البشري، مما يزيد الضغط على الموارد المائية الأخرى ويهدد استدامتها. كما يؤدي تراكم الملوثات إلى تلوث التربة والمزروعات على طول مجرى النهر، مما يضاعف تأثيراته في الصحة العامة والاقتصاد المحلي.

من هنا، يبرز ضرورة التدخل العاجل لمعالجة التلوث، من خلال رصد مستمر لمياه النهر، وتنظيف مجاريه، وتطبيق إجراءات صارمة للحد من تصريف الملوثات. فالحفاظ على جودة المياه ليس مجرد مسألة بيئية، بل يمثل حماية مباشرة لصحة السكان واستدامة الحياة البرية والزراعة في البقاع، ويضمن استمرار النهر كمورد حيوي للأجيال القادمة.

أخيراً، إنّ تلوث نهر البردوني يُذكّر بأهمية حماية الموارد المائية في لبنان، خصوصًا في مناطق البقاع التي تعتمد على هذه الأنهار في تغذية محاصيلها وضمان الأمن الغذائي المحلي. ويبرز كذلك الحاجة إلى سن قوانين صارمة وفرض عقوبات على المخالفين لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث التي تهدد البيئة والصحة العامة، والحفاظ على استدامة النهر كمورد حيوي للأجيال القادمة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد