اوراق مختارة

«الأسس المنطقية للاستقراء».. درةٌ تتوهج في عصر المادة

post-img

محمد عبد الله فضل الله/ جريدة الأخبار

تحتفي «اليونسكو» بكتاب «الأسس المنطقية للاستقراء» للسيد الشهيد محمد باقر الصدر في دورتها المقبلة (2026-2027) في باريس، تقديرًا لإسهامه في تطوير نظرية المعرفة البشرية. يُعدّ الكتاب إنجازًا فلسفيًا فريدًا جمع بين العلم والإيمان، وواجه الفكر الماركسي بعمقٍ عقليّ أصيل، مثبتًا عبقرية صاحبه الخالدة

تحتفي منظمة اليونسكو بكتاب «الأسس المنطقية للاستقراء» للمرجع السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( 1935 - 1980 ) في ذكرى مرور خمسين عامًا على نشره ضمن أنشطتها التي تحييها في دورتها العامة الثالثة والأربعين المقبلة لعام 2026-2027 في مقرها في باريس، حيث سيخلد هذا الكتاب في ذاكرة العالم والتاريخ.

هذا الاحتفاء ليس منة أو تفضلًا، بل واجب وشرف كبير للمنظمة وتأكيد على أهمية السيد الشهيد الصدر ومكانته الإنسانية والعالمية على مستوى الإبداع والنتاج الفكري والمعرفي المتنوع من فقه وأصول وفلسفة وتفسير وغيرها. ولعل أهم من ذلك مشروعه الفكري العام على مستوى نظرية المعرفة البشرية التي تضمنها هذا الكتاب.

كان إنجاز هذا الكتاب الشغل الشاغل للسيد الصدر ليل نهار وحتى وهو جالس على مائدة الطعام كما ينقل السيد المرجع كمال الحيدري تلميذ الشهيد الصدر.

يقول السيد الشهيد في «تقريرات السيد الهاشمي الجزء الرابع» (ص 130) عن أهمية هذا العمل على مستوى النتاج الفكري الإنساني العام، كأنه عصارة للمخاض الفكري عبر قرون أولدها السيد الشهيد ولم يجاره فيها أحد: «هذا البحث (الأسس المنطقية للاستقراء) كان منشأ لانتقالنا إلى نظرية جديدة للمعرفة البشرية استطاعت أن تملأ فراغًا كبيرًا في نظرية المعرفة البشرية لم يستطع الفكر الفلسفي أن يملأه خلال ألفي سنة».

هذا الكتاب يعد أضخم مشروع ثوري ومبدع لمعالجة مشكلة الاستقراء الفلسفية. وقد أثار السيد الشهيد فيه سبع إشكالات على المنطق الأرسطي في هذا المجال ضمن عملية الاستدلال.

يقدّم لنا الكتاب صورةً عميقة ودقيقة حول موضوع شغل بال كثيرين عبر العصور، هو محاولة التوفيق بين الدين والعلم عبر عمل العقل الكاشف ليس فقط الحقيقة العلمية بل الروحية أيضًا يقول: «وهكذا نبرهن على أن العلم والإيمان مرتبطان في أساسهما المنطقي، ولا يمكن من وجهة النظر المنطقية للاستقراء الفصل بينهما، هذا محال لأنه يستبطن تناقضًا منطقيًا».

شيخ الأزهر أحمد الطيب في مقابلة سابقة له أشاد بهذا الفقيه المسلم، معتبرًا أنه يشهد للشهيد الصدر بالعبقرية التي قد لا تتكرر مرة أخرى، مشيرًا إلى ما قدمه من نظرية حساب الاحتمالات.

كان المفكر المصري زكي نجيب محمود قد أبدى اهتمامه وإعجابه بكتاب «الأُسس المنطقيَّة للاستقراء» الذي وصفه بـ«أنّه من الكتب الَّتي ينبغي أن تترجم إلى اللّغة الإنكليزيَّة، لتعرف أوروبا أنَّ لدينا فلاسفة أصيلين يملكون العمق الفلسفيّ في الفكر المستقلّ».

نجد في هذا الكتاب مواجهته للمدرسة الماركسية ومقارعته لهذا الفكر الماركسي عبر ملاحظاته ومآخذه عليه. يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي كانت تربطه بالشهيد الصدر علاقة قوية وحميمة في النجف الأشرف: «واجه الفكر الماركسيّ من موقع الفكر الإسلاميّ العميق الممتدَّ، بعدما كانت الأساليب السياسيَّة التقليديَّة في وسائل الإعلام، تتَّخذ الوجه السطحيَّ الذي يعتمد على التَّشهير، ما كان يوحي إلى الفئات الأخرى بالاحترام للماركسيَّة، بمقدار ما تمثّل أساليب نقدها من سطحيَّة وابتذال».

نعم، رغم خفوت الاهتمام البحثي وتقصي أبعاد شخصية السيد الشهيد الصدر على المستوى الحوزوي الذي ربما يركز على الجانب الفقهي والأصولي والتفسيري، فإن الاحتفاء العالمي بنتاجه هو مدعاة لكل طالب علم ومعرفة أن يطّلع على جوانبه الفكرية والفلسفية والمعرفية التي طبعت نتاج هذا العلم العامل ومنحت البشرية بصمات مضيئة في عوالمها المادية المظلمة.

 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد