شانتال عاصي (صحيفة الديار)
في فترة الأعياد، تتكثّف الولائم وتتنوع الموائد، وتصبح الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات والكحول جزءًا أساسيًا من الاحتفالات. ورغم الطابع الاجتماعي والفرِح لهذه المناسبات، فإن الإفراط في تناول الطعام والشراب قد يفرض عبئًا كبيرًا على الجهاز الهضمي ويؤثر سلبًا في توازن الجسم، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون أصلًا من اضطرابات هضمية أو مشكلات في سكر الدم. ومن هنا تبرز أهمية الوعي الغذائي خلال الأعياد، ليس بهدف الحرمان، بل لحماية الصحة دون التخلي عن متعة الاحتفال.
الإفراط في الأكل وتأثيره في الجهاز الهضمي
يُعد الإفراط في الأكل خلال عيد الميلاد من أكثر الأسباب شيوعًا لاضطرابات الجهاز الهضمي، إذ يؤدي تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة إلى إبطاء عملية الهضم وزيادة إفراز أحماض المعدة. وغالبًا ما تظهر أعراض مثل الانتفاخ، وعسر الهضم، والحموضة، والشعور بالثقل والخمول بعد الوجبات.
كما أن الأطعمة الدسمة والمقلية تُجهد الكبد والمرارة، وقد تثير نوبات ألم لدى المصابين بالقولون العصبي أو الارتجاع المعدي المريئي. ولتخفيف هذا العبء، يُنصح بتقسيم الوجبات، وتناول الطعام ببطء، والحرص على المضغ الجيد، إضافة إلى إعطاء الجسم فترات راحة بين الوجبات بدل الاستمرار في الأكل لساعات طويلة.
حلويات العيد وتأثيرها في مستوى السكر في الدم
تمثل حلويات الميلاد، التي تحتوي على نسب مرتفعة من السكريات المكررة والدهون المشبعة، تحديًا صحيًا كبيرًا خلال موسم الأعياد. فالإفراط في تناول هذه الحلويات يؤدي إلى ارتفاع سريع وحاد في مستوى السكر في الدم، ما يحفز إفراز الإنسولين بكميات كبيرة لمحاولة إعادة مستويات السكر إلى معدلاتها الطبيعية. هذا الارتفاع المفاجئ يتبعه هبوط حاد، وهو ما يُعرف بانهيار السكر، مما يسبب شعورًا مفاجئًا بالتعب، والدوار، والصداع، فضلاً عن تقلبات مزاجية وسلوكيات تناول غذائي غير منتظمة.
أما لدى مرضى السكري أو من يعانون من مقاومة الإنسولين، فإن هذه التقلبات يمكن أن تتفاقم بشكل كبير، ما يزيد خطر ارتفاع السكر لفترات طويلة أو انخفاضه بشكل غير متوقع، مع تداعيات محتملة على القلب والأوعية الدموية والكلى. كذلك، يرتبط الاستهلاك المفرط للسكر بزيادة مستويات الالتهابات المزمنة في الجسم، وهو عامل مؤثر في تفاقم الأمراض المزمنة مثل السمنة، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المفاصل. كما يؤثر الإفراط في السكر في توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما قد يؤدي إلى اضطرابات هضمية مثل الانتفاخ، والإمساك، أو الإسهال، ويضعف مناعة الجسم على المدى الطويل.
ولتقليل هذه المخاطر، يُنصح بموازنة تناول الحلويات مع أطعمة غنية بالألياف مثل الخضراوات والفواكه، والبروتينات الصحية مثل المكسرات أو اللبن، إذ تساعد هذه العناصر على إبطاء امتصاص السكر وتحسين السيطرة على مستويات الغلوكوز. كما يُفضل تناول الحلويات بكميات صغيرة، وتجنبها على معدة فارغة، واعتماد استراتيجيات مثل تقسيم الحصة إلى وجبات أصغر أو اختيار نسخ منخفضة السكر عند الإمكان. هذه الممارسات لا تقلل فقط من التأثيرات السلبية للسكر، بل تساعد على الاستمتاع بالحلويات دون تهديد صحي للجسم.
الكحول في موسم الأعياد: المخاطر الصحية الخفية
الكحول، التي غالبًا ما ترافق الاحتفالات في موسم الأعياد، تحمل مجموعة من المخاطر الصحية التي يُغفل عنها كثير من الناس خلال الأجواء الاحتفالية. فهي مادة مهيّجة للمعدة بشكل مباشر، حيث يؤدي تناول كميات كبيرة إلى التهاب الغشاء المخاطي للمعدة وزيادة إفراز الأحماض، مما يفاقم حالات الحموضة، وحرقة المعدة، وآلام الجهاز الهضمي، خصوصًا لدى الأفراد الذين يعانون من قرحة المعدة أو ارتجاع المريء. كما يمكن أن يسبب الإفراط في الكحول اضطرابات في عملية الهضم، مثل الغثيان، والقيء، والانتفاخ، ويزيد من احتمالية الإسهال أو الإمساك في بعض الحالات.
وعلى مستوى الكبد، تشكل الكحول عبئًا إضافيًا على وظائفه، إذ يحتاج الكبد إلى تحويل الكحول إلى مواد قابلة للإزالة من الجسم، ما يزيد من إنتاج السموم الحرّة ويؤدي إلى إجهاد الكبد على المدى الطويل. كما أن للكحول تأثيرًا مدرًّا للبول، ما يخل بتوازن السوائل والأملاح المعدنية في الجسم، ويعرض الفرد لخطر الجفاف، واضطرابات ضغط الدم، وشعور بالإرهاق العام.
إضافة إلى ذلك، يمكن للكحول أن تتفاعل مع أدوية عديدة، بما في ذلك أدوية القلب، وأدوية السكر، وأدوية الجهاز العصبي، ما قد يؤدي إلى تداخلات خطيرة أو تقليل فعالية العلاج. ومن ناحية سكر الدم، فإن الكحول يمكن أن ترفع مستويات الغلوكوز أو يخفضها بشكل مفاجئ، خاصة لدى مرضى السكري، مما يزيد من مخاطر المضاعفات الحادة.
لذلك، يُعد الاعتدال في استهلاك الكحول خلال الأعياد أمرًا ضروريًا للحفاظ على الصحة، مع مراعاة تناول الماء بكميات كافية بين المشروبات الكحولية، وعدم شرب الكحول على معدة فارغة، ومراقبة أي أعراض غير طبيعية مثل دوار، أو خفقان القلب، أو اضطرابات المعدة، والتوقف فورًا عند ظهورها. هذه الإجراءات تساعد على التمتع بالاحتفالات دون تهديد صحة الجهاز الهضمي والكبد والجسم بشكل عام.
استراتيجيات للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي خلال الأعياد
رغم هذه المخاطر، لا يعني الحفاظ على الصحة خلال الميلاد التخلي عن الأجواء الاحتفالية، بل اعتماد سلوكيات غذائية أكثر وعيًا. فشرب الماء بكميات كافية، وتناول الخضروات إلى جانب الأطعمة الغنية، والاعتدال في الحلويات والكحول، كلها خطوات بسيطة تُحدث فرقًا كبيرًا.
كما أن الحركة الخفيفة بعد الوجبات، مثل المشي، تساعد على تحسين الهضم وتقليل الشعور بالثقل. ومن المهم أيضًا الانتباه إلى إشارات الجسم والتوقف عن الأكل عند الشعور بالشبع، وعدم الاعتماد على المكملات أو الحبوب المسهلة لتعويض الإفراط، إذ يمكن أن تؤدي إلى مشاكل هضمية إضافية.
أخيراً، تبقى الأعياد مناسبة للفرح والتواصل، لكن الجسم له حدوده التي يجب احترامها. الإفراط في الأكل والسكريات والكحول قد يحوّل متعة الميلاد إلى مصدر للإرهاق والمشكلات الصحية.
الاعتدال، ومراقبة الكميات، والاستماع لإشارات الجسم، يظلان المفتاح الأساسي للاستمتاع بالموسم بأمان، مع الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي وتوازن الجسم بشكل عام.