أوراق سياسية

قضيّة أبو عمر" و "يكيليكس" لبنانيّة تفضح سياسيين.. السعوديّة تعتبرها خرقاً دبلوماسياً ودار الفتوى تلوذ بالصمت

post-img

كمال ذبيان (الديار)

ليست ظاهرة مصطفى الحسيان (أبو عمر)، جديدة في لبنان، وتدخل فن "الخداع السياسي"، وسبقه الى ذلك لبنانيون في مراكز سياسية أو حزبية أو اعلامية وثقافية واجتماعية، مارسوا هذه المهنة، التي لها زبائنها بين اللبنانيين، فهم وعلى مدى نصف قرن شهدوا على ذلك في زمن "أبو عمار" (ياسر عرفات) و"أبو عبده" (رستم غزالة) وسواه من المخابرات السورية، ويمتد هذا النوع من "النصب السياسي" الى زمن الانتداب الفرنسي، وقبله السلطنة العثمانية، فكان الباب العالي في اسطنبول المرجع، كما دمشق وعنجر في زمن الوجود السوري، والفاكهاني في طريق الجديدة ببيروت اثناء النفوذ الفلسطيني.

و "أبو عمر" الذي اختتم العام به بما فعله، شكل صدمة للبنانيين، أن ينتحل رجل يعمل "كسنكري" صفة أمير سعودي، له نفوذ في الديوان الملكي، وبدأ يعمل في هذا "النفاق السياسي" منذ نحو عشر سنوات، دون أن يظهر على شاشة الرصد السعودي، ولا على "رادار" دار الفتوى، التي تسرب ان الشيخ خلدون عريمط سهّل له عمله، والذي نفى علمه بذلك، وزج اسمه بما قام به "أبو عمر"، بالتحدث باسم السعودية، وتقديم وعود لسياسيين وطامحين لمواقع سياسية، بأنه سيدعم وصولهم، من موقعه النافذ، في موقع القرار السعودي.

والسعودية المعنية بالموضوع مباشرة، والتي أصيبت بنكسة معنوية، أخذت هذه المسألة بكثير من الجدية وبدأت بجمع المعلومات حول ما قام به "أبو عمر"، الذي تورط أو ورط معه شخصيات سياسية لبنانية منها من هو برتبة رئيس حكومة الى نواب ووزراء حاليين وسابقين ورؤساء أحزاب، ونشرت اسماء هؤلاء، ووقعوا بالارباك للفضيحة السياسية والمالية، التي هزت لبنان، ان يدير السياسة فيه شخص كمثل "أبو عمر"، ويقع في أفخاخه كثيرون، ومنهم من اكتشف باتصالاته مع الرياض أنه لا يوجد أمير سعودي معني بالملف اللبناني.

وبدأت المملكة متابعة هذا الملف، الذي كلف السفير السعودي وليد البخاري، تقديم تقرير حوله، وجمع معلومات من مخابرات الجيش وفرع المعلومات، وما أدلى به "أبو عمر" الموقوف أمام الأجهزة الأمنية والقضائية، ولا توجد قضية في لبنان، إلا وتدخل بها "أبو عمر" وأعلن موقفه منها، كرأي سعودي، وأخذ به مسؤولون وسياسيون لبنانيون، وجنى "أبو عمر" من وراء ذلك مبالغ مالية.

ولن تتأخر السعودية في أن تعلن موقفها في هذا الموضوع الدقيق والخطِر، فكشفت مصادر مطلعة ان الموفد السعودي المكلف ملف لبنان الامير يزيد بن فرحان، يعطي هذا الموضوع اهتماماً كبيراً، ويعتبره خرقاً للدبلوماسية السعودية، يقوم به شخص عادي، ويصل الى أعلى المستويات في لبنان، فهو يشكل خطراً على الأمن السعودي، ويضرب الصدقية السعودية.

فالملف الذي تشكل من أقوال "أبو عمر"، كما من أفعاله وممارساته، في اتصالاته، هو اشبه بـ "ويكيليكس" لبنانية، ففضح الكثير من الشخصيات التي تعامل معها وتعاونت معه، وبدأ بعضها اصدار بيانات بالنفي أو علمه بما صدر في وسائل اعلام، أو على منصات التواصل الاجتماعي، لكن الوقائع تكشف عن وجود شخص اسمه "أبو عمر"، كان يتحدث باسم "الديوان الملكي" في السعودية، وبات في عهدة القضاء الذي عليه أن يقول كلمته، ويكشف الحقائق، ويبين ما هو صحيح، وما هو عملية تضليل وتشويه وتدخل في القدح والذم.

وابتعدت دار الفتوى عن الدخول في تفاصيل ما تم تداوله، لا سيما اسم الشيخ خلدون عريمط، الذي له موقعه الديني، ويحظى بشبكة علاقات لبنانية داخلية، وأخرى خارجية، لا سيما مع دول خليجية كالسعودية والامارات العربية المتحدة، ورفضت مصادر دار الفتوى الحديث في هذا الملف، الذي لاذ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بالصمت. والذي تقول مصادره إنه سيترك للقضاء أن يقول كلمته، ولن يتحدث في هذا الموضوع، الذي فوجىء المفتي دريان به، وهو بدأ جمع المعلومات عنه، بعيداً عن الاعلام، وكلف لجنة تقصي متابعة ما يتم تداوله، وتكوين ملف حوله.

فموضوع "أبو عمر" كشف هشاشة الوضع السياسي في لبنان، وتفاهة السياسيين فيه، لا سيما من يتنقلون بين "الأبوات" لتأمين موقعهم السياسي أو الحفاظ عليه، وهم يتقلبون مع كل زمن سياسي عملاً بشعار "عند اختلاف الدول احفظ رأسك". 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد