عبد الكافي الصمد (سفير الشمال)
عندما طيّرت القوّات اللبنانية والكتائب ونواب قوى التغيير نصاب جلسة مجلس النوّاب التشريعية في 29 أيلول الماضي، ولم تؤمّن نصاب الجلسة في اليوم التالي، 30 أيلول الماضي، اعتبرت تعطيل العمل التشريعي حقًّا دستوريًا لها استغلته لممارسة ضغوطها على رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وحلفائه لإدراج مشروع قانون معجّل مكرّر يسمح للمغتربين الاقتراع للنواب الـ128، وهو “حقٌ” عادت ومارسته في 27 تشرين الأوّل الفائت، عندما استطاعت عدم تأمين نصاب الجلسة التشريعية التي دعا إليها برّي في ذلك اليوم.
لكنّ القوّات اللبنانية والكتائب ووزراء رئيس الجمهورية جوزاف عون ووزراء رئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام استطاعوا، كونهم يملكون الأكثرية داخل مجلس الوزراء، دفع الحكومة ـ في 6 تشرين الثاني الجاري ـ نحو تبنّي مشروع قانون معجّل مكرّر يُفسح في المجال أمام المغتربين للاقتراع للنوّاب الـ128، وأرسلته إلى مجلس النوّاب لإقراره في أوّل جلسة تشريعية.
إنّما على قاعدة المعاملة بالمثل، لا يُتوقع أن يُدرج برّي مشروع قانون الحكومة على جدول أعمال الجلسة التشريعية المرتقبة، التي يسود تشاؤم كبير إزاء إمكانية أن يدعو برّي لعقدها، الذي يعتبر أنّ ما اعتبره الفريق المقابل حقًّا دستوريًا له بتعطيل العمل التشريعي، هو حقٌ “طابش” له، وبالتالي فإنّ من أعطى لنفسه حقًّا في التعطيل لا يستطيع أن يمنعه عن سواه.
ما سبق لا يعني فقط أنّ البلاد دخلت مرحلة من تبادل الاتهامات بين الطرفين بتعطيل العمل التشريعي، إنّما امتد ذلك إلى القلق من جمود يُنتظر أن يخيّم على لبنان بالمرحلة المقبلة، وشلل سيترك آثاره السّلبية في مجالات عديدة، وصولًا إلى القلق على مصير الانتخابات النيابيّة التي باتت شكوك كبيرة تحوم حولها، وسط توقعات أنْ يتم تأجيلها لفترة زمنية طويلة قد تمتد سنتين على أقل تقدير.
الخلاف الدّائر منذ أشهر حول قانون الانتخابات المرتقب، وتحديدًا حول اقتراع المغتربين، عطّل إقرار أيّ مشروع قانون لإدخال تعديلات عليه، كما يُعطّل إجراء الانتخابات وفق القانون الانتخابي الحالي، الذي يوضح خبراء دستوريين بأنّه يحتاج لإقرار تعديلات عليه في مجلس النواب للعمل به، وفي ضوء “الكباش السّياسي” الدّائر بين الطرفين فإنّه لا يُتوقع إقرار أيّ مشاريع قوانين مقترحة ولا إدخال تعديلات على قانون الانتخابات الحالي.
غير أنّ الخوف الذي ينتاب كثيرين في مختلف الأوساط ليس فقط بسبب التعطيل الذي أصاب العمل التشريعي، وتبادل الاتهامات حول هذا التعطيل، ولا بسبب الخشية من أن يؤدّي ذلك إلى عدم إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها في شهر أيّار المقبل، إنّما نبع الخوف من احتمال انفلات الوضع الأمني على نحو خطير، إمّا بسبب عدوان "إسرائيلي" واسع أو بسبب حصول توتر داخلي ينزلق بالبلاد نحو المجهول، ما يضع لبنان أمام أكثر من مفترق خطير، في منطقة تشهد متغيّرات هائلة ليست البلاد بمعزل عن تداعياتها وارتداداتها على الداخل وعلى كلّ المستويات.